للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[خطوات عملية لتجنب سوء القضاء]

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هي الخطوات العملية التي ممكن أن يعملها المسلم لتجنب سوء القضاء؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأولى هذه الخطوات: صحة الاعتقاد، ومعرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيعلم العبد أن قضاء الله هو قضاء القوي المتين العزيز القدير الذي لا يرد، وهذا يحمل العبد على التسليم والخضوع. وفي الوقت نفسه يعلم أنه قضاء الرحمن الرحيم، الغني الكريم، الرءوف الحليم، وهذا يحمله على الصبر والرضا وانتظار الفرج، فيجتمع بذلك للعبد الرضا والتسليم لقضاء الله تعالى. ومن ذلك صحة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فهذه العقيدة هي التي تسكب في قلوب المؤمنين السكينة، وتفيض على نفوسهم الطمأنينة، وتربيهم على العزة، فينشغلون بما ينفعهم، ولا يأسون على ما فاتهم ولا ما أصابهم. وراجع الفتويين: ٢٠٤٣٤، ٥٢٧٦٢.

وثاني هذه الخطوات: هي تصحيح المسير إلى الله بالاستغفار والتوبة النصوح، التي تصلح ماضي العبد بالندم على الذنوب والمعاصي، وتصلح حاضره بالإقلاع عنها، وتصلح مستقبله بالعزم على الاستقامة وعدم العود إليها. وذلك أن البلاء إنما ينزل بالذنب، ولا يرفع إلا بالتوبة، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى: ٣٠} وقال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً {النساء: ١٢٣} وقال سبحانه: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ {هود: ٣} وقال: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {النمل: ٤٦} .

والخطوة الثالثة: تبدل السيئ بالحسن، وإتباع السيئات بالحسنات حتى تمحوها، ولزوم تقوى الله تعالى في السر والعلن بمراقبته وحفظ أمره ونهيه والاستقامة على ذلك، فمن اتقى الله تولاه وحفظه، ولم يكله إلى غيره، ونصره على عدوه، قال تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {آل عمران: ١٢٠} وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * ... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق: ٢-٤} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.

واعلم أخي الكريم أن الاستقامة على أمر الله هي التي تستقيم بها أحوال العبد في معاشه ومعاده، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف:١٣} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم. رواه الطبراني، وجوده المنذري، وحسنه الألباني. قال المناوي في فيض القدير: أي فإنكم إن استقمتم مع الله استقامت أموركم مع الخلق. اهـ.

والخطوة الرابعة: هي الإلحاح على الله تعالى بالدعاء، مع حسن الظن وصدق التوكل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء. متفق عليه. وفي رواية للبخاري: تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه، حسنه الألباني.

فالمحافظة على هذه العبادات تستقيم بها الحياة، وهي في الوقت نفسه من أسباب رفع البلاء، كما سبقت الإشارة إليه في الفتويين: ٤٣١٩٥، ٦١٦١١.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ جمادي الثانية ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>