للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[جزاء من يسعى في فتنة شباب المسلمين]

[السُّؤَالُ]

ـ[ما جزاء من يحاول أن يفتن شباب المسلمين؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفتنة تطلق ويراد بها معان كثيرة، وهي تنقسم إلى فتن الشبهات وفتن الشهوات، وأسوأ فتن الشبهات فتنة الشرك بالله، وفتنة العدول عن محكم الآيات وصريح السنة وصحيحها، ومن أسباب مشروعية الجهاد إزالة الفتنة من طريق الناس ليؤمنوا بالدين ويقيموا شعائره وشرائعه بحرية، كما في قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلَا عُدْوَانَ إِلَاّ عَلَى الظَّالِمِينَ {البقرة:١٩٣} ، وقد بين الله سبحانه في كتابه أن الفتنة تحول دون أن يكون الدين كله لله سبحانه، ولهذا قال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه {الأنفال:٣٩} ، فالفتنة تناقض الدين، ومن ساهم في هذه الفتن التي تناقض الدين وحاول فتنة المسلمين بها فهو ممن حاد الله ورسوله، وقد قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ {المجادلة:٥} ، ومروجو هذه الفتن مصيرهم بينه سبحانه بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ {المجادلة:٢٠} ، قال الشيخ ابن السعدي: هذا وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول، لا عاقبة له حميدة، ولا راية له منصورة. انتهى.

وأسوأ فتن الشهوات.. إشاعة الفواحش في المجتمع وقد توعد الله من فعل هذا بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور:١٩} ، وهذا الوعيد لمن أحب فقط، فكيف بمن سعى ونشر ودعا وزين هذه الفتن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فكل عمل يتضمن محبة أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخل في هذا، بل يكون عذابه أشد، فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل، فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل؟ بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا، ومن رضى عمل قوم حشر معهم، كما حشرت امرأة لوط معهم ولم تكن تعمل فاحشة اللواط، فإن ذلك لا يقع من المرأة لكنها لما رضيت فعلهم عمها العذاب معهم.

فمن هذا الباب قيل: من أعان على الفاحشة وإشاعتها، مثل القواد الذي يقود النساء والصبيان إلى الفاحشة، لأجل ما يحصل له من رياسة أو سحت يأكله، وكذلك أهل الصناعات التي تنفق بذلك.. مثل المغنين، وشربة الخمر وضمان الجهات السلطانية وغيرها فإنهم يحبون أن تشيع الفاحشة ليتمكنوا من دفع من ينكرها من المؤمنين، خلاف ما إذا كانت قليلة خفيفة خفية، ولا خلاف بين المسلمين أن ما يدعو إلى معصية الله وينهي عن طاعته منهي عنه محرم، بخلاف عكسه فإنه واجب. انتهى من مجموع الفتاوى.

ألا فليتق الله من اتخذ هذا النهج سبيلاً، أو من مكن له ممن في يده إزالة الفتنة، ولكنه يتركها أو يساهم فيها، وليعلم هؤلاء جميعاً أن عاقبة ذلك الندم، وزوال النعم، قال الله تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ {النحل:١١٢} ، وللفائدة تراجع في ذلك الفتوى رقم: ٣٤٩٥٧، وفيها واجب المسلم لدرء الهجمة على العفاف، والفتوى رقم: ٥٢٩٢٥ ففيها بيان أن حب إشاعة الفاحشة في المؤمنين محرم، ونسأل الله أن يرد كيد الكائدين للمسلمين في نحورهم، وأن يجنب المسلمين شرورهم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٤ جمادي الأولى ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>