للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تزكية النفس من آكد ما يجب الاهتمام به]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل صحيح أن النفس مليئة بالنواقص والعيوب ولهذا قال تعالى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. وإذا كان ذلك كذلك فلماذا قال تعالى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن السعي في تزكية النفس من آكد ما يجب الاعتناء به، فقد وعد الله تعالى من زكى نفسه بالفلاح ودخول الجنة، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ليزكي الناس فقال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. {الأعلى:١٤} .

وقال تعالى: وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى. {طه:٧٦} . وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. {عمران:١٦٤} .

والنفس البشرية مهيأة لسلوك طريق الخير وطريق الشر، والاتصاف بالأخلاق الحميدة والأخلاق الذميمة ويدل لهذا قوله تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. {الشمس:٧، ٨} .

وقد ذم الله تعالى اتباع هوى النفس وذكر أنها أمارة بالسوء فقال تعالى: إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى. {النجم:٢٣} . وقال: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَاّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ. {يوسف:٥٣} .

وأخبرنا عن قبائح بني إسرائيل بعد ما بدلوا وغيروا فذكر منها أنهم: كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُون. َ {المائدة:٧٠} .

وقد تكلم بعض أهل العلم على أمراض القلوب وبيان أهمية معرفتها ومعرفة دوائها، فذكر الغزالي أن ذلك يلزم كل إنسان لأن وقوع الأمراض غريزة في النفس البشرية.

وخالف البعض فذكروا أنها غالبة في النفوس ولكنها ليست لازمة قال صاحب مطهرة القلوب:

عرفان أمراض القلوب وسبب * كل ما يزيله عينا وجب.

لدى الغزالي وليس لازما ... * ذلك من زرق قلبا سالما

منها لدى غير الغزالي فالغزا * لي يرى أمراضها عزائرا

في الآدمي وسواه غالبه ... * فيه رآه ها لا سجايا لازبه.

وأما آية الملك فليس فيها بيان سلامة النفوس من العيوب والأخلاق السيئة، وإنما كان الحديث فيها عن خلق السماء وأنه خلقها في غاية الإتقان، وليس فيها نقص ولا عدم تناسب فقد قال في أول الآية: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. {الملك:٣} .

وإذا قلنا أنه أراد جميع المخلوقات فلا شك أن جميع المخلوقات متقنة. فقد قال الله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ. {السجدة:٧} .

وراجع تفسير القرطبي وابن جزي.

وراجع الفتوى رقم: ٩٧٢٩٨.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢١ جمادي الأولى ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>