للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفرق بين حبوط العمل وعدم قبوله]

[السُّؤَالُ]

ـ[ماهو الفرق بين إحباط العمل وعدم القبول في الشرع؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلا من حبوط العمل وعدم قبوله يشتركان في أن العامل لا ينتفع بعمله، ولكن يختص عدم القبول بأن سببه لا يكون إلا مع العمل أو قبله، ومثال ذلك أن لا يريد العامل بعمله وجه الله الكريم، أو يخالف فيه هدي الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم. وأما حبوط العمل الذي يعني بطلانه، فقد يكون بسبب لاحق أيضا، ومثال ذلك أن يتصدق العبد بصدقة يريد بها وجه الله فتقبل ويكتب له أجرها، ثم يمن بها ويؤذي صاحبها، فيحبط ثوابها ويبطل. كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ. {البقرة: ٢٦٤} .

أو كأن يعمل العبد من السيئات ما يترتب عليه حبوط ثواب عمل قد تُقبِّل من قبل. كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. {الحجرات:٢} .

وهذا حبوط جزئي، وقد يكون حبوطا كليا وذلك بالردة والوقوع في الشرك الأكبر، كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {الزمر:٦٥} . وقوله سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {الأنعام:٨٨} .

وقال الراغب في المفردات:

حبط العمل على أضرب:

ـ أحدها: أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناءا، كما أشار إليه بقوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا. [الفرقان/٢٣] .

ـ والثاني: أن تكون أعمالا أخروية، لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، كما روي أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له: بم كان اشتغالك؟ قال: بقراءة القرآن، فيقال له: قد كنت تقرأ ليقال: هو قارئ، وقد قيل ذلك، فيؤمر به إلى النار.. الحديث.

ـ والثالث: أن تكون أعمالا صالحة، ولكن بإزائها سيئات توفي عليها، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان.

وأصل الحبط من الحَبَط، وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها، وقال عليه السلام: إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم. انتهى.

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. {هود:١٥، ١٦} . قال: أما الفرق بين الحبوط والبطلان فلا أعلم بينهما فرقاً بينا. تفسير آيات من القرآن الكريم.

وقد سبق لنا في الفتوى رقم: ١١٣١٠٧. أن معنى عدم قبول العمل في الشرع يرجع إلى معنيين: أحدهما فساد العمل، والثاني عدم الثواب عليه، وسبق تفصيل ذلك والأمثلة عليه في الفتوى رقم: ١٢٢٧٦ , وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: ٥٧٥١٢، ٤٨٧٢٤.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ جمادي الأولى ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>