للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تمني الموت فرارا من المعصية]

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد أن أموت فما الحل؟ والسبب هو أنني لا أستطيع الامتناع عن المعصية التي تطاردني كل وقت وبكل مكان حتى بالمسجد. قبل أن أيأس أليس لي حق في أن أموت بسرعة بدلا من هذا البلاء والشقاء فيما يبدو ليس له نهاية؟ وكل الحلول لا تنفع وبصراحة. أريد أن أموت قبل أن أرتكب معاصي أخرى أو قبل أن أرتد أو أكفر لأنني أشك في أنني لن أفعل ذلك. أنا ملتزم لكن إلى متى، أنا في ستر لكن إلى متى؟ متى النهاية؟ أليس من حق هذا المعذب أن يتمنى الموت لا أن يقول إن كان الموت راحة لي من كل شر؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه النبرة اليائسة التي تبدو في سؤالك تحتاجُ منا إلى أن ننبهكَ على أمورٍ مهمة نسأل الله لنا ولك الهداية:

أولها: أن عقل الإنسان قاصر، وتصوره للحقائق ضئيل، وعلمه بجنب علم الله عز وجل كقطرةٍ في بحرٍ أو أقل، وقد يكره الشيء وفيه الخير له، وقد يحبُ الشيء وفيه هلاكه. قال الله عز وجل: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:٢١٦}

فأولى للعبد أن يُسلم لحكم الله وحكمته، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من أصابه شيءٌ فظن أن الموت خيرٌ له أن يقول: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. ولستَ أنت أيها المسكين القاصر العقل بأعلم من الله ورسوله بما فيه المصلحة فَسَلِّمْ تسلم.

ثانيها: أن سوء الظن بالله ذنبٌ ربما يفوق ما تزعمُ أنه يلاحقك من معصية، فظنكَ بالله أنه يضيعك ويخذلك ولا يهديكَ إلى الحق، ولا يأخذ بناصيتكَ إلى الاستقامة مما قد يؤدي بكَ إلى القنوط من رحمته واليأس من روحه، وقد قال عز وجل: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:٥٦} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يموتنَ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله. أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه، وفي الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي. متفقٌ عليه.

فأحسن يا أخي الظن بربك، ولا داعيَ لهذا القنوط واليأس، بل أقبل عليه تعالى عالماً أن الفضل بيده وحده، واثقاً أنه تعالى رحيمٌ بك، وأنه لن يُخيبَ سعيك.

ثالثها: إرادتكَ الموت فراراً من المعصية مغالطةٌ كبرى، ومخالفة للسنة الصريحة، فإن طول العمر لا يزيد المؤمن إلا خيرا، فإن كان محسناً ازداد إحسانا، وإن كان مسيئاً تاب وأقلع.

رابعها: زعمك أن المعصية تطاردك، وأن جميع الحلول لم تنفع، كلامٌ غير مُسلَّم فأي حائلٍ بينك وبين التوبة؟ ، وأي مانع لك منها؟، فباب التوبة مفتوح لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، ومهما تاب العبد إليه تاب الله عليه، فإنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وراجع الفتوى رقم: ١١٢٢٦٨.

فعليكَ أيها الكريم أن تتحلى بالعزيمة الصادقة، والإخلاص في القصد، ثم اعلم أن الله عز وجل سيقبل توبتك ويعينك عليها، فإنه تعالى وعد من جاهد نفسه فيه تبارك وتعالى أنه يُعينه ويهديه، قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:٦٩} .

وعليكَ أن تكثر اللجأ إلى الله، وتجتهد في الدعاء أن يصرف الله عنك وسوسة الشيطان وكيده، وتسأل الله الذي سترك أولا أن يُتم عليك عافيته وستره، فإنه تعالى أكرم مأمول وأفضل مسئول، نسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبُ ويرضى، وعليك أن تبحث عن رفقة صالحة تعينك على الطاعة وتبعدك عن المعصية.

ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٥٩٩٧٦، ٢٤٠٣١، ١٢٩٢٨، ١٠٣٩٧.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٧ ربيع الأول ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>