للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسائل في الابتلاء]

[السُّؤَالُ]

ـ[قال تعالى: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم. وأيضاً: قال صلى الله عليه وسلم وقد سُئل: أي الناس أشد ابتلاءً؟ فقال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يُصب منه) أي يبتليه. والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.

أريد معرفة هل البلاء هو للمؤمنين الشاكرين حتى عندما لا يذنبون: طبعا ذنوب كبيرة أو مستمرة، أم يخطب ود الله سبحانه وتعالى ويطلب منه عدم الابتلاء بالابتعاد عن الذنوب؟

فأنا موقنة أن لا تعارض بين قول الله سبحانه وتعالى وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن أطلب تفسير المعادلة إن جاز التعبير، وأريد أن أعرف هل تأخر الزواج هو ابتلاء أم هو قضاء وقدر؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال أهل التفسير: إن الاستفهام في الآية الكريمة هو بمعنى التقرير للمنافقين الذين وردت الآية في سياق الحديث عنهم من قوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرً ا {النساء:١٤٥}

والمعنى: أيّ منفعة لله تعالى في عذابكم إن شكرتم وآمنتم، فنبه تعالى على أنه لا يعذب الشاكر المؤمن، وأن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه.

ثم إن الابتلاء يكون للناس كلهم بما فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون والطالحون.. ويكون بالخير تارة وبالشر أخرى، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:٣٥}

والابتلاء المذكور في الحديث يكون في الدنيا بخلاف العذاب المذكور في الآية، فالمراد به عذاب الآخرة، وبهذا يتضح لك معنى الآية ومعنى الأحاديث التي أشرت إليها وهي صحيحة، وأنه لا تعارض بينها، وأن البلاء يكون اختبارا للمؤمنين الشاكرين الصابرين زيادة في أجورهم ورفعا لدرجاتهم.

كما يوضحه قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له. رواه مسلم.

وأما تأخير الزواج وتقدمه وكل ما يقع في هذه الحياة من خير وشر فهو بقضاء الله تعالى وقدره، كما قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:٤٩}

وهو من الابتلاء والاختبار.. وكما أشرنا فإن الابتلاء في هذه الحياة يكون بالخير وبالشر.

وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتويين: ١٠٨٣٦٤، ٩٦٤٢٧.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٥ ذو الحجة ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>