للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الأعمال الصالحة من أسباب طيب العيش]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا مسلم والحمد لله أحاول جاهداً أن ألتزم بشرع الله لكن تمر بي حالات أقول كما قال أحد السلف إن كان أهل الجنة فى مثل ما أنا فيه لهم فى خير كثير ففي تلك الحالة أحسن الظن بنفسي وأقول أنا من أهل الجنة إن شاء الله ولكن تمر بي حالات أخرى أقول إن كان أهل النار فى مثل ما أنا فيه لهم في عذاب شديد، أناشدكم الله أفيدوني ما سبب أحزاني هل هي من النفس والشيطان أم بسبب المعاصي؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمعاصي هي سبب الهموم والغموم والأحزان، ولكن أصل المعاصي من النفس والشيطان، أما النفس فلأنها تأمر صاحبها بالسوء ومعصية الله سبحانه، قال الله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.. {يوسف:٥٣} ، والشيطان أيضاً يأمر بالسوء والفحشاء، قال سبحانه: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء {البقرة:٢٦٨} ، فإذا أردت -أيها السائل- أن تهنأ بحياة طيبة كريمة هانئة فابتعد عن المعاصي والذنوب، وعليك بالأعمال الصالحة فهي سبب طيب العيش وسكون النفس، قال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون َ {النحل:٩٧} .

قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي: والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحاً كما قال تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء في الدارين، ونظير هذا قوله تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ. ونظيرها قوله تعالى: وإن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله. ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدنيا والآخرة وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين فإن طيب النفس وسرور القلب وفرحه ولذته وابتهاجه وطمأنينته وانشراحه ونوره وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة والشبهات الباطلة هو النعيم على الحقيقة ولا نسبة لنعيم البدن إليه، فقد قال بعض من ذاق هذه اللذة: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف. وقال آخر: إنه يمر بالقلب أوقات أقول فيها إن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب. وقال الآخر: إن في الدنيا جنة هي في الدنيا كالجنة في الآخرة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الجنة بقوله: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة، قال: حلق الذكر. وقال: وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. ولا تظن أن قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) ، (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) ، يختص بيوم المعاد فقط بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من بر القلب وسلامة الصدر ومعرفة الرب تعالى ومحبته والعمل على موافقته وهل عيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم ... فهذا القلب السليم في جنة معجلة في الدنيا وفي جنة في البرزخ وفي جنة يوم المعاد. انتهى.

وقال رحمه الله في موطن آخر: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم. فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً وأسرهم قلباً وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ ذو الحجة ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>