للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التوبة من الاقتراض بالربا]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا فتاة عمري ٣٣ سنة غير متزوجة متخرجة من الجامعة وأشغل منصبا مرموقا في مؤسسة عمومية مشهورة في بلادنا. كنا نملك سيارة وكنت أذهب مع أبي للعمل فيها ولظروف خاصة باع أبي سيارته وأصبحنا نستقل الحافلة لمدة ثلاث سنوات وواجهنا مشاكل عدة. في ظل الظروف التي سأشرحها لكم قمت بشراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك. سأشرح لكم الظروف التي أدت بي للقيام بهذا العمل:

١- مسكننا كان يبعد عن مكان العمل بحوالي ٤.٥ إلى ٥ كلم ونصف الطريق هو عبارة عن هضبة مرتفعة تقريبا كالجبل ولذلك فهي معرضة للبرد الشديد في الشتاء والحر الشديد في الصيف بحيث يشق علي المشي يوميا من أجل الذهاب إلى العمل.

٢- في ذلك الوقت كان أبي مريضا (قام بإجراء عملية جراحية) وكان يعاني من أجل اقتناء احتياجات العائلة لأن الطبيب منع عليه حمل الثقل لكي يشفى لكنه هو المعيل الوحيد ولا يمكنه الاعتماد على إخوتي الذكور لأنهم صغار إضافة إلى أنهم يدرسون وبالتالي فإن أبي لم يشفى جيدا وقد أعيدت له العملية.

٣- عائلتنا تتكون من أبي وأمي وعشرة أولاد وكثيرا ما نحتاج إلى إسعاف أحد الأفراد إلى المستشفى لمرض أو لحادث ما، فلا نجد من يسعفنا ويستلزم ذلك وقتا من أجل إحضار سيارة أجرة وخصوصا في الليل وبالأخص إذا مرض أبي فمن الذي سيخرج في الليل ويحضر السيارة؟ ولذلك كنا نلجأ إلى الجيران ونزعجهم معنا.

٤- كان والداي يعانيان من أجل زيارة أهلنا (يعيش معظمهم في مدينة أخرى تبعد عن مدينتنا ب ٣٠ كلم) سواء كان عرسا، زيارة مريض أو جنازة فقد كان يستوجب التنقل في عدة حافلات وبالتالي من أجل القيام بزيارة بسيطة عليك أن تضيع يوما كاملا.

٥- أنا كنت أركب في الحافلة والله عانيت كثيرا، فقد كنت عرضة لأشياء لم أطقها، النقل في بلادنا لا علاقة له لا بالانتظام ولا باحترام الأشخاص ولا بالوقت ولا أي شيء سوى العكس، فقد كنت أظل واقفة أنتظر الحافلة المخصصة لمنطقتنا لفترة طويلة حتى يتجمع سكان كثيرون من منطقتنا وبالتالي تمر علينا عشرات الحافلات المخصصة للأحياء الأخرى ماعدا الخاصة بنا وأكون عندها قد امتلأت غضبا لأنني لا أحب أن أكون في هذا الموقف السيئ فهناك من يسمعك كلاما غير لائق وهناك من يبقى يذهب ويجيء أمامك ليلفت انتباهك وووو.... فهذا أمر يزعجني جدا، كل هذا قبل الركوب في الحافلة. أثناء الركوب والله من ينظر فكأنه يرى قطيعا من الغنم أو الأبقار يتزاحم فحافلة واحدة أمام هذا الجمع الغفير كيف تسعهم فأنا دائما أحاول أن أبقى في الأخير لكي لا أتزاحم مع الرجال ولكن نفس النتيجة إما أن لا أركب وأعاود الانتظار ومزيد من التأخر عن البيت وإما أركب وفي المحطة الموالية فإن صاحب الحافلة سيُصعد أكثر مما ينزل وبالتالي أجد نفسي في وضعية مقرفة ألاصق الرجال ومعظمهم يتعمد ذلك وإذا حدث وأن حاولت إحدى النساء الدفاع عن نفسها فإن جميع من في الحافلة سيسمع ما لا يحتمل. يا إلهي في شهر رمضان فالأمر لا يحتمل غفرانك ربي. أقسم لكم آلاف المرات أني كنت أحس بالاشمئزاز وذلك مخافة من الله.

إذن منذ أربع سنوات ونتيجة لما سبق ذكره فقد قررت شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك وأنا أعرف أن ذلك يدخل في إطار الربا وذلك محرم فهي كبيرة من الكبائر ومع ذلك قمت بذلك ليس لأني ضربت عرض الحائط أوامر الله وإنما أردت صون نفسي من الرذائل التي كنت أتعرض لها يوميا وإعانة والدي بحيث أصبح يجد سهولة أكثر لإعالتنا والتنقل بسهولة لزيارة الأهل والأقارب، وأنا أصبحت أوصل إخوتي إلى مدارسهم، أنا أصل إلى عملي بدون تأخر، أصبحت أستغرق عشر دقائق للوصول إلى البيت، أصبح بإمكاني الذهاب إلى البيت منتصف النهار لتناول مع إخوتي بعدما كان ذلك مستحيلا وبعدما أنهكني الأكل خارج البيت لما يسببه من أمراض. والله يشهد أن هذه السيارة لم تستخدم ولم تستغل إلا في أمور الخير. فعلا كانت نيتي حسنة لكني أعرف أن هذا ليس بمبرر لمعصية الله عز وجل.

سؤالي هو: كيف أكفر عن ذنبي مع العلم أني سددت آخر قسط الشهر الماضي؟ وأنا والله منذ اشتريت هذه السيارة وأنا أدعو الله أن يغفر لي ولكني أريد أن أعرف ما يترتب علي فعله ليطمئن قلبي وارتاح قبل أن يفاجئني الموت فأقسم بالله أني أحس بالذنب يثقل كاهلي. أعتقد أني ذكرت لكم كل التفاصيل اللازمة وهذا ليس لتبرئة نفسي فالله يعلم ما بداخلي وإنما لمساعدتي بشكل مفصل ولتكون الفتوى دقيقة.

وأخيرا أشكر لكم اهتمامكم برسالتي وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن الاقتراض بفائدة من الربا الذي هو من الموبقات السبع، وقد توعد الله المرابي بحرب منه، ولحرمته الشديدة لا يباح إلا لضرورة كخوف على النفس من الهلاك أو لحصول مشقة كبيرة لا تحتمل، فما عليك – أيتها الأخت – وقد ارتكبت ما ارتكبت من هذا العملية الربوية إلا أن تتوبي إلى الله توبة نصوحا.

وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون َ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:١٣٥، ١٣٦}

وعليك أن تكثري من الاستغفار والأعمال الصالحة.

وشروط التوبة المطلوبة هنا هي الندم على ما ارتكبت والكف عنه في الحين والعزم أن لا تعودي إليه أبدا.

ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: ١٤٢٠، ١٠٦٥٠٣.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ جمادي الأولى ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>