للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حديث النفس بين المؤاخذة وعدمها]

[السُّؤَالُ]

ـ[في البداية، بارك الله فيكم على جهودكم المشكورة في خدمة الإسلام وأهله في إطلاق هذا الموقع الراقي وعلى زاوية الفتاوى التي هي من أقيم وأنفع ما يجد المرء على الإنترنت وغيره خصوصاً في هذا الزمان وقد عم الجهل واختلطت الأمور على العامة لكثرة الفساد ورواده والفتن ومروجيها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فجزاكم الله خير ما جزى عباده وجعل ذلك في ميزان أعمالكم يوم تخف الموازين وتشيب رؤوس الناس من الهول، وبعد.... الشيخ الفاضل سؤالي هو: علامَ نحاسب يوم القيامة، على الأعمال والأقوال فقط أم أن ما طرأ على القلب يكون دارجاً أيضاً، فالحديث (إن الله تجاوز لأمتي عن كل شيء حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل به) والآية في سورة الإسراء (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) فالفؤاد مشمول إذاً في المحاسبة بالمساءلة، فكيف التوفيق إذاً بينهما أيضاً، الحديث الشريف (مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء) فالمرء قد يتمنى أن يسرق فلا يسرق ليس تورعاً لكن لعدم تمكنه فلو تمكن لسرق وقد يتمنى مالاً يوزعه على الفقراء والمحتاجين فلا يجد، فالله أعلم بما في الصدور، فهل على هذا من أجر أو وزر؟ أيضاً الحديث (قال إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) ، يعني أن الهم بعمل الشيء عليه ثواب ووزر، وحديث النفس ليس به بأس، فهل من توضيح لهذه النقطة بارك الله فيكم، وفي هذا السياق يخطر ببالي أيضاً هل ذكر الله أو قراءة القرآن في النفس (دون تحريك الشفاه) يعد من حديث النفس الذي لا يؤجر المرء عليه؟ بارك الله فيكم.]ـ

[الفَتْوَى]

خلاصة الفتوى:

يحاسب العبد على ما عزم عليه لا على مجرد حديث النفس، وأما الذكر القلبي فيؤجر عليه ولا يصل درجة الذكر باللسان.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على اتصالك بنا وعلى انطباعاتك الجيدة واعترافك وشكرك على الجميل، ونفيدك أن الحساب يكون على الأعمال والأقوال التي يطلب فعلها أو تركها، وأما المباحات فالراجح أنه لا حساب فيها.

وأما حديث النفس في المعاصي فمعفو عنه إذا كان مجرد خاطرة ولم يوطن نفسه عليها ولم يعزم على فعلها، وأما إذا عزم على المعصية ثم تركها لوجه الله فتعطى له حسنة كما يدل له الحديث المذكور في السؤال، وأما إذا عزم ولم يستطع تنفيذ فعله فتكتب عليه سيئة، كما يدل له حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري.

وأما مجرد الهم على فعلها دون عزم فالصحيح أنه غير مؤاخذ به، لقول الله تعالى: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {آل عمران:١٢٢} ، واتفق على عدم المؤاخذة بالهاجس والخاطر وحديث النفس المجرد عن الهم والعزم، وبهذا يعلم التوفيق بين النصوص المذكورة في السؤال فحديث النفس لا يحاسب عليه، وأما العزم على فعل الطاعات أو المعاصي فيحاسب عليه ويجازى إلا إذا ترك المعصية لله فيؤجر على ذلك ولا يعاقب.

وأما آية الإسراء: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا ً. فالمراد عمل القلب مثل الإيمان بالله والتوكل عليه والخوف والرجاء والحب وغير ذلك من أعمال القلوب، وأما مجرد حديث النفس فلا يعتبر عملاً ما لم يعزم على العمل به، وراجع في المزيد عما تقدم وفي كلام العلماء فيه وفي مسألة الذكر والتلاوة في النفس دون تحريك اللسان والشفتين الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٣٢٤١٦، ٢٢٦٩٢، ٢٨٤٧٧، ٧١٨١٦، ٥٣٤٨٧، ٤٤٤٩١، ٨٦٨٥، ٥٤٢٨٩، ١٣١٠٩، ٣٥٩٠٩، ٥٤٨٧١.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٧ رمضان ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>