للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[النصيحة لأم تريد التوبة لولدها من معاصيه]

[السُّؤَالُ]

ـ[أما بعد أنا امرأة متزوجة عمري بالخمسينيات، أخاف الله تعالى، تقية، حاجة بيت الله الحرام, لدي أولاد كبار كلهم متخرجون والحمد لله لكن هناك واحد عمره ٢٢ سنة ولد عاق أدعو الله دائما أن يهديه, لا يصلي ويسرف في الشراب واستعملت معه كل الوسائل ما نفع معه شيء، أدعو له ليلا ونهارا وكنت زرت بيت الله الحرام عدة مرات ودعوت له, واستعملت له الرقية في الماء والزيت، مع العلم أنه يخاف الله ويقول إنه يندم دائما عندما يشرب الخمر إلى درجة أنه يكره نفسه ويتعارك مع الناس ويعمل حوادث بالسيارة عند الشرب والحمد لله دائما ينجو من الخطر وكان يصاحب بنتا فأرادت أن يتزوجها لكن هو كان يخرج معها بس للهو حيث إنها من عائلة غير محترمة وليست أهل دين وخلق. ولكنه كلما يريد التخلص منها ويبتعد عنها فقط لمدة ثم يرجع لها وقامت تهدده أحيانا إذا فارقها, مع أنه ألاحظ أنه يريد التوبة ولكن لا يستطع خاصة شرب الخمر مع أنني أدعو له وأتصدق. وحاولت أن أزوجه وأبحث له عن بنت الحلال حتى هو يريد أن يتزوج ولكنه على هذه الحال أحس أنني قد أظلم البنت التي سيتزوجها مع أن حالته المادية متمكنة ومتوفرة.

فأرجو يا سماحة الشيخ أن تنظروا في هذا الأمر وتفيدوني بما عساي أفعل لأخلص ابني من هذه الدوامة ويرجع إلى الطريق الصحيح وحتى يطمئن قلبي عليه. وجزاكم الله خير جزاء بما تقدمون من نصائح وإرشادات.

أرجو من سماحتكم الرد على ضمن موسوعتكم لأتمكن من قراءة الجواب, وبارك الله فيكم.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح لك ذريتك ويجعلها قرة عين لك في الدنيا والآخرة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ونقول لك: لا تقنطي ولا تيأسي من روح الله ورحمته، فالقلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، ومن موانع استجابة الدعاء اليأس والقنوط والاستعجال كما في الحديث عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل: يارسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول:" قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر ويدع الدعاء.

واعلمي أن من أقوى الأسباب تأثيرا على السلوك وأنفعها اختيار الصحبة الصالحة ومفارقة المكان الذي عصى العبد فيه ربه، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:٢٨} ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا. فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاه ملك في صورة آدمي. فجعلوه بينهم. فقال: قيسوا ما بين الأرضين. فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة. وانظري الفتوى رقم: ٦٩٤٦٥.

فننصحك باختيار رفقة صالحة له تنأى به عما هو فيه من المنكرات العظيمة، سيما التهاون بالصلاة وشرب الخمر وإقامة العلاقات المحرمة مع الفتيات إلى غير ذلك مما هو عليه. وانظري في حكم ذلك وخطورته الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٦٠١٢، ١١٤٥، ١١٠٨.

وإذا استطعت السفر به مدة من الزمن عن ذلك المكان إلى مكان أهله صالحون، تتوطن نفسه على فعل الخير وترك المنكر فهو أولى وأحسن. واجتهدي في الدعاء وأكثري منه سيما في أوقات مظنة استجابته، كما بيناها في الفتويين رقم: ٢١٥٠، ٢٣٩٥.

وإذا وجدت له فتاة صالحة ذات خلق ودين ورضيت به زوجا فذلك مما ينفعه بإذن الله، ويساعد في تقويم سلوكه وإعفافه عن الحرام. وليس في ذلك ظلم لها ما لم تخدع بذكر ما ليس فيه من الصفات، كأن يذكر لها أنه تقي ونحوه. ولها هي أن تسأل عنه وتستفصل عن حاله وعن خلقه ودينه، ثم إن شاءت بعد ذلك قبلته، وإن شاءت ردته.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٤ ربيع الأول ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>