للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التوبة ودعاء العبد ربه أن ينسيه ذنوبه]

[السُّؤَالُ]

ـ[شيخي الفاضل, حفظك الله ... وبعد: أنا علمت أن الله عز وجل عندما يعفو عن التائب فمعنى ذلك أن ينسيه ذنبه فلي عدة أسئلة مهمة جداً حول هذا الموضوع وأرجو من الله تعالى الإجابة الوافية عليها لو تكرمتم ... أذكر أنه قبل توبتي وفي أحد المشاكل الزوجية أسمعت زوجي وقتها كلمة جارحة جدا عندما أتذكرها أكاد أجن وأستغفر ربي كثيراً وأبكي وأقول في نفسي لماذا خرجت مني هذه الكلمة، فهل كنت وقتها فاقدة عقلي وذلك من شدة ندمي وتعجبي من نفسي كيف نطقتها فأتعبتني كثيراً وقد مرت سنوات عديدة عليها فكل مرة أقول ما في إلا أن أطلب من زوجي أن يسامحني عليها وبنفس الوقت لا أتجرأ أن أعيد قولها، فكنت في عذاب فقررت أخيراً أن أذكر له ذلك وأنا بوضع مربك للغاية فقال لي وبكل تأكيد وحتى تعجب مني قال لي: أنت لم تقولي لي ذلك أي يقصد الكلمة الجارحة التي ذكرتها له.. وكررت عليه أني قلتها وهو مصمم ومتأكد من ذاكرته القوية وينفي أن أكون قد قلتها وأحضر لي دليلا على عدم قولي لتلك الكلمة له ونفي توجيهها له فقال أولا لو كنت قلتها لقمت فورا بطلاقك أو أنه لشدة إهانتها أكون قد فقدت أعصابي وذلك يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه وأكيد أكون أنا وأنت كذلك متذكرين تلك الآثار، وثانيا أنت زوجتي وأعرفك مؤدبة لا تتجرئي على إلقاء هذه الكلمات، أنا لحظتها فعلا تعجبت من أمري فقلت له ربما، ولكن قلت له على أي حال سامحني، فقال أنا مسامحك دنيا وآخرة، لكنني ذكرت هذا الموضع لأخي وهو إنسان متدين جدا وعنده العلم الشرعي فقال لي أنت حقا تكوني بلحظة العصبية الشديدة قد قلت له ذلك وعندما تبت إلى الله ومع ندمك الصادق وكثرة استغفارك يكون الله تعالى قد عفا عنك وعندما يعفو الله عز وجل فإنه يُنسي الذنب، فأتساءل لو كان الله عز وجل قد عفا عني أليس كان من الرحمة لي أن أنسى أنا الذنب أو أنا وزوجي معا, والله يا أخي الفاضل لا أقول ذلك إلا للاطمئنان بعفو الله عني.

الاستفسار الآخر.. أريد من فضلك أن أفهم حقيقة المغفرة وأنا كما قلت سمعت أن معناها أن العبد ينسى ذنوبه، فهل مثلا إذا أنا أذنبت وأسرفت فيه على نفسي وكان قد علم به شخص ما، فهل إذا تبت منه وغفر لي الله عز وجل هل ينسيني إياه وينسي ذلك الشخص الذي علم بحقيقة فعلي، وحادثة أخرى ... وهي أني كنت أضايق أمي بكلامي وبرفع صوتي عليها قبل توبتي فلما تبت كنت أتألم جدا عندما أتذكر ذلك فكنت في كل مرة أتصل بالتليفون معها أطلب منها السماح فتقول يا بنتي أنت لم تفعلي شيئا معي حتى لو كنت كذلك فكان عن جهل وتضحك وهي مبسوطة ولا كأني كنت أسمعها أي كلمة تضايقها طيلة حياتي، لو قلنا إن الله عز وجل قد غفر لي وأنسى أمي ذلك لماذا لم أنس أنا وأظل أحترق داخليا وأتألم من الندم، سؤال مهم الله يرضى عنكم تجيبوني عليه، هل يصح أن أطلب من الله في دعائي أن ينسيني ذنوبي, وذلك لأني تأتي علي لحظات أو أيام أكاد أجن عندما أتذكرها طبعا مع حرصي الشديد على ملازمة الأستغفار والتوبة ومراقبة تفسي في السر والعلن حتى أنه من شدة تعبي وتعجبي من نفسي أنني كيف كنت أعمل هكذا وأحكي هكذا أصل لدرجة أقول في نفسي لا لا ليس معقولا أني فعلت هذا هذا حلم أو هذه ليست نفسي صدقني أقول ذلك حتى أنجو بعقلي، فأرجو من الله تعالى يا أخي الفاضل أن تجيبني على كل استفسار بدقة ولا تهمل أي منه لأني بحاجة ماسة للإجابة الشافية بإذن الله تعالى؟ سددكم الله.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته عن زوجك من أنه مصمم ومتأكد من ذاكرته القوية، وأنه ينفي أن تكوني قد قلت له تلك الكلمة الجارحة، وما ذكرت أنه أحضره لك من دليل على عدم قولك لتلك الكلمة له، وأنك لو كنت قلتها لقام فوراً بطلاقك أو لكان من شدة إهانتها قد فقد التحكم في أعصابه، وأنه من المؤكد أن تكوني أنت وإياه متذكرين تلك الآثار، وأنه يعرفك مؤدبة لا تتجرئين على إلقاء مثل هذه الكلمات ... وما ذكرته عن أمك من قولها لك: يا ابنتي! أنت لم تفعلي شيئاً معي، وما ذكرته من ضحكها وبسطتها ... أقول: إن هذه الأمور كلها وغيرها مما فصلته في سؤالك، تدل بوضوح على أن تلك الأخطاء لم تصدر منك، وإنما يوسوس لك الشيطان بها ليتعبك وينغص عليك سعادتك واستراحتك.

ولو افترضنا -جدلاً- أنك قد ارتكبت شيئاً من تلك الأخطاء، فإن الشرط الأول من شروط التوبة هو الندم، وأنت في أشد ندم على هذه الأمور، كما أن الذنوب التي فيها حقوق للعباد يشترط لعفوها أن يعفو أصحابها عن حقوقهم، وأنت قد ذكرت عن أمك وزوجك ما ذكرته من المسامحة والرضا عنك.

واعلمي أن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ، كما روى ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهوني على نفسك ولا تتركي الشيطان يلعب بك، ثم اعلمي أنه ليس من دليل على أن الله عز وجل عندما يعفو عن التائب أنه لا بد أن ينسيه ذنبه.

وفيما إذا كان يصح أن تطلبي من الله في دعائك أن ينسيك ذنوبك، فجوابه أن الله تعالى قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة عليه، ما لم يكن آثماً أو قطيعة رحم، وعليه فلا حرج في أن تطلبي ذلك من الله تعالى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ صفر ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>