للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الاعتدال في الغيرة]

[السُّؤَالُ]

ـ[تحية طيبة وبعد:

أحاول أن أبحث عن بداية أبدأ بها موضوعي أو أن أجد عنوانا مناسبا ولكن لم أجد أنسب من تسمية مشكلتي "الغيرة" , فوجدت أن أبدا بالحديث عما أعانيه وأسبابه لعلكم تجدون لي مشكورين حلا لهذه المشكلة أنا شخص يعاني جدا من الغيرة على عائلتي وأقربائي وأصحابي ويمتد ذلك حتى على من لا أعرفهم, الأمر الذي يسبب لي أرقا كبيرا عندما أرى بعض المواقف أو بعض الأشخاص خاصة النساء وتعاملاتهن وطبيعة لباسهن. أعاني من هذه المشكلة بشكل كبير خاصة بالجزء الذي يخص الناس الذين لا أعرفهم, أما بالنسبة لأقربائي فقد تأقلمت مع مرور الوقت على ذلك خاصة أنهم يبذلون ما في وسعهم لإتباع الحق وكنت كثيرا أحملهم ذنب تصرفات الآخرين الأمر الذي تخطيته قليلا.

كل ذلك تخطيته نوعا ما وتأقلمت عليه مع مرور الزمن, لكن المشكلة الحقيقة التي لم أستطع حلها أو التخلص منها لما تسببه لي من أرق وقلق ونفسية متعبة ومريضة وسلبية جدا من المجتمع والزمن ألا وهي غيرتي على الإسلام. غيرتي على الإسلام ورفضي لما يحصل في هذه الأيام لانتهاك لحرمة الإسلام بصورة وقحة وعلنية وبلا مبالاة لأكثر الأمور وضوحا وصراحة في الإسلام كلبس الحجاب مثلا, ففي الوقت الذي يجب فيه مناقشة طريقة لبس الحجاب, نجد الناس تتهاون بلبس الحجاب وتناقش وبكل وقاحة وجوبه أو عدم وجوبه. غيرتي هذه تجعلني دائم الشعور بالذنب وأنه علي أن أقوم بشيء ما, ولكن كل المجتمع وحتى أقربائي للأسف يهدمون عزائمي ويكسرون أجنحتي بقولهم الدائم لي: "من أنت حتى تغير المجتمع أو تؤثر فيه" أو "كيف لشخص واحد أن يغير مجتمع" أو "يكفي أن تصلح نفسك وأهل بيتك", أحاول أن أكون في كل تصرف لي أو عمل أقوم به صاحب رسالة, لكني اشعر أني لا أقوم بواجبي على أكمل وجه, خاصة أني لا أرتضي بالحلول الوسط, فإما أن يكون الشيء كاملا وإلا فلا, فمعظم من أقابلهم يناقشونني بنفس الطريقة وطبيعة التفكير التي يمكن أن أوضحها بالموقف التالي:

عندما سألت قريبة لي عن معرفتها بأحكام اللباس وما مدى صحة لباسها حيث إنها ترتدي بناطيل ضيقة وقمصان أضيق, وتلبس الحجاب ولكن يكون جزءا كبير من عنقها واضحا وظاهرا, فتجيبني كما يجيب الكثيرون, نحن في زمان القابض على الإسلام كالقابض على الجمر وكونها تلبس الحجاب هو عمل كبير وبطولي وستدخل أعلى درجات الجنة للبسها الحجاب فقط دون التقيد بأحكام اللباس كاملة. هذا أحد المواقف وقس على ذلك مواقف كثيرة وأفكار غريبة. أصبحت الصلاة إسقاط فرض لا غير

الزكاة عبارة عن نسبة معينة يتفاخر دافعها بما لديه من مال

والكثير من الأمور الأخرى, وفي النهاية يقولون لك إن الله غفور رحيم, وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها, ويتناسون أن الله شديد العقاب. لا تجد شخصا يكون صادقا مع نفسه, لا تستطيع أن تعامل أحدا, لدرجة أنني أحاول أن أمشي دون أن أحاول أن ألتفت يمنة أو يسرة, وجهي في الأرض دائما, أشعر بالعار لما نحن فيه, لدرجة أنني أعتقد أن العمليات الانتحارية التي تستهدف اليهود غير صحيحة, والأولى أن نقوم بتفجير عربنا والقضاء على هذا النسل الفاسد عل وعسى أن يبدلنا الله نسلا أفضل ويفهمون الإسلام ويطبقونه أكثر منا. ليس إلى هذا الحد فقط, وإنما يتعداه لدرجة اعتقادي أن مشايخنا بما فيهم أنتم لا يقومون بواجبهم على أكمل وجه اتجاه إسلامنا رمز عزتنا وكرامتنا وعليائنا, اعذروني لهذه الأفكار التي كثيرا ما تراودني, ولكن لو أننا نقوم بواجبنا اتجاه الإسلام لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من انحطاط وذل وهوان. أعتذر لكم مرة أخرى, ولكنني أؤمن أننا في هذا الزمن نفكر بالقيام بما هو أقل خطأ وليس ما هو صحيح لأن احتمال عمل الأمر الصحيح احتماله ضئيل إلى معدوم. أرجو إفادتي بما يجب علي أن أفكر به أو أقوم به لأنني أعاني كثيرا من هذه الأفكار وأجد نفسي دائما مقصرا وأشعر أنني أحيا في العصر الخطأ والزمان الخطأ لا أعلم إذا كان في طلبي التالي تعد على قوانين وأسس الموقع, ولكني أرجو إرسال تعليقكم على البريد الالكتروني.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالغيرة من علامات الإيمان، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه.

وفي حديث آخر: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.

فما أنت فيه من الغيرة على الدين أمر طيب، ولكن ينبغي أن لا يغيب عنك أن كل أمر خرج عن حد الوسط والاعتدال صار مذموما. والشرع والعقل داعيان إلى التوسط والاعتدال، ففي الحديث: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا ... رواه البخاري.

والتوسط والاعتدال هو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، وقال بعض الحكماء: إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع. وهذا لا يعني أننا نأمرك بالرضا بالمنكر، وترك تغييره ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإنما يعني أن من الحكمة أن تقتصد في إنكارك لئلا يسأمك الناس ويملوا نصيحتك.

وليس من الحكمة قولك: إنك لا ترتضى بالحلول الوسط، وأن الشيء إما أن يكون كاملا وإلا فلا. فلا شك في أن بعض الشر أهون من بعض، وأن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

ونسأل الله أن يعينك على ما تقوم به من الخير، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلا خيرا لك من أن يكون لك حمر النعم. رواه البخاري ومسلم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ شوال ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>