للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[معنى عدم قبول صلاة شارب الخمر]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب في العشرين من عمري أحب كل شيء في ديني وقلت لنفسي لن أشرب وأتيت إلى الغرب وشربت قليلا فأعرف أنه حرام ولم أعرف أنه إذا شربت لن تقبل صلاتي لمدة ٤٠ يوما ولم أشرب بعده لما قال لي صاحبي في الإسلام عن العقوبة

١) فهل الله سبحانه وتعالى يقبل توبتي؟

٢) هل أستطيع أن أكمل صلاتي؟

٣) هل أستطيع لمس القرآن؟

٤) إذا قرأت القرآن كل يوم وأكملته فهل الله يغفر لي؟

٥) إذا تبت في الدنيا ولم أشرب بعدها وأكملت القرآن هل أستطيع أن أدخل جنة الله، وأتمتع فيها؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن شرب الخمر كبيرة من الكبائر، وقد توعد الله شاربها باللعن، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. رواه أبوداود، ولكن باب التوبة مفتوح فنرجو من الله المتاب على من أقلع عنها وتاب، وقد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن شاربها لا تقبل له صلاة أربعين يوما، ولكنه يجب القيام بأداء الصلاة، ويجوز له لمس المصحف إن كان طاهرا وتلاوة القرآن، فقد روى الترمذي في جامعه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال، قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار. والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع، والمقصود بعدم التوبة عليه في الرابعة المبالغة في الوعيد والزجر الشديد كما ذكره المباركفوري في شرح الترمذي:٥/ ٦٠١ لأن العبد إذا تاب تاب الله عليه مهما تكرر منه الذنب إذا كانت التوبة في كل مرة صادقة.

واعلم أن المراد بعدم قبول الصلاة عدم حصول الثواب، وأن الصلاة تجزئه، والمعروف أن العمل لا يحبط إلا بالكفر والعياذ بالله، أما ارتكاب الذنوب فلا يحبط الأعمال إذا توفرت فيها شروط الصحة، قال المناوي في فيض القدير عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، قال: ثم اعلم أن ذا وما أشبهه كمن شرب الخمر تلزمه الصلاة وإن لم تقبل، إذ معنى عدم القبول عدم الثواب لاستحقاق العقاب، فالصلاة مع القبول لفاعلها الثواب بلا عقاب، ومع نفيه لا ثواب ولا عقاب، هذا ما عليه النووي، لكن اعترض بأنه سبحانه لا يضيع أجر المحسنين فكيف يسقط ثواب صلاة صحيحة بمعصية لا حقة؟ فالأوجه أن يقال: المراد من عدم القبول عدم تضعيف الأجر؛ لكنه إذا فعلها بشروطها برئت ذمته من المطالبة بها ويفوته قبول الرضا عنه. انتهى

فاحرص أخي السائل على تحقيق التوبة بأركانها وذلك بالندم على ما فات والعزم على عدم العود إلى الذنب والإقلاع عنه في الحال، فإذا فعلت ذلك فاعلم أن الله يقبل التوبة عن عباده ويدخلهم الجنة. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى:٢٥} وقال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:٨٢} وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:٥٣} وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {آل عمران:١٣٣-١٣٦} وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:٣٩} .

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢١ رجب ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>