للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الاستعانة بالدعاء والصبر عند الضراء]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله الرحمن الرحيم

ترددت كثيرا قبل أن أبعث برسالتي إليكم لأنها غريبة جدا وكنت واثقة من أنه لا يوجد من يفهمها أبدا ولكن بعد قراءتي للاستشارة رقم ٢٥٣٠٩١ للأخت التي طلقها زوجها بسبب رائحتها أحسست أن هناك من يشكو مما أشكو منه تقريبا، وأنني لست الحالة الشاذة الوحيدة في العالم كما كنت أظن التي تشكو من الرائحة الكريهة المنبعثة من جسمي، فأنا لا أعلم إذا كانت مسألة روحانية أم عضوية فلقد استشرت فيها دكتور أمراض جلدية وتناسلية وكم كان الأمر شاقا علي جدا كفتاة جميلة جدا تشكو من أمر كهذا، والنتيجة أنه اندهش من كلامي وحول الأمر إلى شكوى نفسية وطلب مني أن لا أستسلم للفراغ وأشغل نفسي بأي شيء لأن ما أشكو منه ليس له تفسير علمي لديه، ثم ذهبت لأحد الشيوخ الذين يعالجون بالقرآن فقد سمعت أن هناك نوعا من المس قد يتسبب في نفور الناس من حول الشخص المتلبس به الجن والعياذ بالله يفرز رائحة كريهة تسبب ذلك ولكنه أوصاني بأن آكل سبع ملاعق عسل مع سبع تمرات كل يوم قبل الإفطار وفعلت ذلك ولكن دون جدوى، إذن لم يفلح معي العلم ولا الروحانيات واستسلمت لذلك وأصابني اليأس ٠

المشكلة بالضبط أنني جميلة جدا والحمد لله بدون غرور ومتدينة جدا وأحافظ على صلاتي ونظيفة جدا من حيث النظافة الشخصية، وما أشكو منه لا يتعلق بالنظافة الشخصية فأنا معروفة بين إخوتي بكثرة الاستحمام حتى أنهم يسخرون مني ويعتقدون أني موسوسة ولكن الله وحده هو الذى يعلم ما بي وبالرغم من أنهم لا يهتمون بنظافتهم مثلي إلا أنهم لا تنبعث منهم رائحة كريهة مثلي، حتى بعد الاستحمام بفترة وجيزة بمجرد أن يسخن جسدى تظهر الرائحة، الرائحة التي تنبعث مني رائحة نتنة لا أعرف مصدرها بالضبط من أي جزء في جسدي وهي من الجزء السفلي في جسمي كنت أظن أنه فرجي فذهبت إلى دكتورة أمراض نساء وقالت إنني والحمد لله لا أشكو من أي نوع من أنواع الالتهابات وللحرص أهتم بنظافة هذا الجزء يوميا، وأعتقد أنه ينبعث من رجلي في المنطقة من أول ما قبل الركبة بقليل وحتى قدمي وتزداد عند ركبتي وعند منطقة فوق الكعب (العرقوب) جربت استعمال الكريمات المعطرة المستخدمة أصلا كمزيل عرق مثل (vepix deodurant cream) ولكن كان تأثيره موضعي تظهر معه الرائحة وكأنها تنبعث من دمي وعظامي وليس جلدي وكأن هناك مادة متحللة نتنة بداخلي هذا أقل ما أستطيع أن أتخيله وهي ليست رائحة كرائحة عرق القدم أو ما بين الأصابع فهذه الرائحة معروفة وتحدث عند ارتداء حذاء مغلق ولكن ما يحدث معي يحدث وأنا حتى لا أرتدي حذاء جربت استعمال أغلى البرفانات وأقواها وأقوى مزيلات العرق ذات الروائح الجميلة ولكن عندما أضعها على جسدي يتحول البرفان إلى شيء نتن كريه، الغريب أن ذلك يظهر في الشتاء دون الصيف فمن المفروض أن الحرارة هي التي تزيد الرائحة لكن معي يحدث العكس فكم أتعذب في الشتاء بأن أرتدي جيب أو بنطلون خفيف حتى يكون هناك تهوية ولا تظهر الرائحة والغريب أنه تكون رجلي باردة جدا من تخفيف الملابس ومع ذلك بها رائحة وكم أرهق في عملي فكل ساعة تقريبا أذهب إلى الحمام لأغسل رجلي وأضع عليها البارفان حتى لا تظهر الرائحة التي كثيرا ما تسبب لي نفور زملائي في العمل وينظرون لي كفتاة جميلة جدا ولكن يا خسارة ليس عندها نظافة شخصية وطبعا هذا ظلم فأنا قد أكون حتى أنظف منهم وكم أسمع التعليقات السخيفة وكم من شخص خطبني وتركني لهذا السبب وكم من عمل تركته لهذا السبب، أرجو أن أطمئنكم إلى أنني لست مريضة نفسيا وهذه ليست أوهام فالتعليقات التي أسمعها ممن حولي أسمعها أيضا من إخوتي وأقاربي وهذا بالإضافة إلى أنني وجدت على موقعكم حالة مشابهة لحالتي ولست أنا الوحيدة في العالم التي أشكو من ذلك كما كنت أظن، أنا آسفة للإطالة ولكنني أردت أن أفسر حالتي بالضبط حتى تساعدوني في حلها ما هذا الذي أشكو منه هل هو مرض عضوي نادر؟ وما هو علاجه؟ وهل له دواء أنا مستعدة أنا أدفع فيه كل ما أملك لو كان موجودا فعلا حتى أنني فكرت أن أجري تحاليل ولكنني لا أعرف أي نوع من التحاليل فأنا لا أجد الدكتور الذي يفهمني، أم أن ما أنا فيه هو شيء روحاني يتعلق بالجن مثلا والعياذ بالله، وهل عندكم العلاج لهذا النوع من الأمراض بالقرآن، أفيدوني أفادكم الله وارحموني يرحمكم الله مما أنا فيه

سأنتظر الرد على بريدي الالكتروني بسرعة؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجدينه، وأن يرزقنا وإياك العافية والسلامة. وإنا لنحسب أن ما أنت فيه أمر يسير، وكل شيء على الله يسير، فهوني على نفسك, وتوجهي إلى ربك بخالص الدعاء، فقد قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:١٨٦} . وقال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:٦٠} وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر قال: الله أكثر. رواه أحمد والحاكم.

وتتلخص شروط الاستجابة وموانعها في قول الله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي، فمن استجاب لله تعالى في أمره ونهيه، وصدق بوعده وآمن به فقد تحققت له شروط استجابة الدعاء وانتفت عنه موانع الإجابة، فلن يخلف الله تعالى وعده.

ثم إذا دعا المسلم ربه فعليه أن لا يستعجل ويستحسر ويترك الدعاء فإن ذلك من موانع الإجابة كما في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر ويدع الدعاء. فعليك أن تستجيبي لله تعالى وتؤمني به وتثقي بوعده، وتتحري أوقات الإجابة ولا تستعجلي فإنه سيستجاب لك. واستفتحي دعاءك بالثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واختميه بذلك، وفي المسند والسنن عن بريدة قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب.

ثم ليكن لك أسوة بأيوب عليه السلام، فقد حكى الله عز وجل عنه قوله سبحانه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ {الأنبياء:٨٣-٨٤} . واعلمي أن الله تعالى جعل لكل داء دواء، فقد ثبت في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل. ثم لا تنسي أنك إذا صبرت على ما أنت فيه من البلاء كان لك في ذلك الأجر الكثير من الله. فقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:١٠} . وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وفي الصحيحين أنه قال: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها.

ونسأل الله أن يمن عليك بالشفاء، وأن لا يحرمك أجر الصبر على ما كان أصابك وما أنت فيه الآن.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ جمادي الأولى ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>