للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التوبة والاستتار بستر الله]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا شاب أبلغ من العمر ٣٣ سنة ومتزوج من ابنة عمي التي أفوقها باثنتي عشر سنة. كانت حالتي مع زوجتي جيدة ورائعة أثناء مدة الخطوبة وبعد الزواج.

فهي متخلقة ومتدينة وتعلمت منها الكثير من الأمور الدينية خاصة الصوم لوجه الله والمحافظة على الصلوات في المسجد وساعدتني على قضاء ديني حتى إنها باعت مهرها لتسديد ما بقي علي من دين وقد وعدتها بأن أشتري لها مهرا جديد عندما تتيسر الأمور في بيتنا. ولكن ومنذ أن سمعت من بعض قريباتي عن الماضي الذي كنت أعيشه قبل الزواج انقلبت حياتنا إلى جحيم وصرنا نتنافر ونسب بعضنا ووصلت إلى رفع يدي عليها لكي أرغمها على السكوت. فبعض قريباتي لم يجدن وسيلة من تضييع وقتهن إلا سألتها إن كانت على علم بما كنت عليه من قبل وعلاقتي المشبوهة مع إحدى القريبات وهل هذه القريبة مازالت تأتي لزيارتكم وهل يراها ويتكلم معها فانهارت زوجتي وأجبرتني على الحلف على المصحف أن أحكي لها الحقيقة بالتفصيل وليس مع قريبتي فقط بل عن كل فتاة عرفتها في حياتي فرفضت في بداية الأمر ولكنها أصرت على ذلك وقالت إن ذلك سوف يخفف من معاناتها ولكي تعرف كيف تدافع عني إذا جاءت إحداهن لكي تحرجها. فانسقت وراء أسئلتها فهي تسأل وأنا أجيب فأحيانا أجيب ما أعرف وأحيانا أخلط الكلمة وأحيانا أكذب حتى لا أتوه في أسئلة أخرى فقضينا ليلة كاملة في سؤال وجواب حتى أذن لصلاة الفجر. فاجأتني ببرودة أعصابها وقدمت لي كتابا عن التوبة وأوصتني بكثرة الصلاة والصيام والاستغفار والحرص على التوبة النصوح ففرحت لذلك وحمدت الله على هذه النعمة. لكن بعد مرور أيام تغير كل شيء فصارت لا تتحمل رؤيتي وكلما رأت شيئا يذكرها بأيام الخطوبة تبدأ في الصراخ والبكاء وتدعوني بالخائن والكاذب وأنني مازلت أكذب ولم أقل لهل كل الحقيقة وتحت ضغط البيت أعادت علي نفس الأسئلة فأجبتها بما أعلم فانهارت وقالت أن كل أجوبتي مخالفة لما سبق وإنني مخادع ولست بأهل ثقة فصارت تتهمني بالنظر الي المحرمات في الشارع وتدعي أنني لا أستطيع مقاومة أية فتاة في الشارع أو في التلفاز ولا أمل من الحديث مع من أعمل من عاملات أثناء العمل وأنني في رأيها لم أخلق إلا للنظر في النساء. صارت حياتنا جحيما لا يطاق فهي فقدت الكثير من وزنها وساءت حالتها وأصيبت بكيس في رحمها وقد تأخرت عن الحمل وأصفر وجهها وأنا أعلم أن أعصابها تحطمت ووصل بها الأمر بها أن تطلب الطلاق وهذا بعد أن أخبرتني بأنها سمعت خبرا جديدا عن الماضي التعيس الذي كنت أعيشه ولم يكن صاحب الخبر إلا أخي الصغير الذي لا أدري ماذا حكى لها؟.

أعيش حياة مرة وقاسية فكل أسباب هذه المأساة هو أنا وما اقترفته منذ سنوات لكنني قبل الزواج تبت إلى الله وصرت مواظبا على الصلوات والأعمال الخيرية والصوم والصدقة وقد عاهدت الله على التوبة فقد أقلعت عن ارتكاب الفاحشة وندمت على أفعالي ومقتنع أن ما فعلته كان كبيرة وأنا عازم على عدم العودة إليه ولكن زوجتي مازالت تتهمني بالنفاق والتلاعب وتريد أن تملي علي شروطا كأن لا أتكلم مع أقربائي سواء كانوا رجالا أو نساء وأن أخبرها إن حدث وأن تكلمت مع فلانة أو فلانة وتفتش أغراضي ووصل بها الأمر أن تشتري رقما هاتفيا مخالفا لرقمها واتصلت بي على أنها فتاة تريد التعرف علي وذلك لترى هل أخونها أم لا. كثرت شتائمها ورفع صوتها علي وتنظر إلي باحتقار لم أعد أقاومها لأني كلما بدأت في الكلام لا تسمع مني أو بالأحري لا تريد سماع إلا ما كان قد سلف ذكره من الماضي ونصحتها أن ما تقوم به مخالف لديننا وأنها لا تجني من ورائه إلا الذنوب فكان جوابها دائما وأبدا هو أنني السبب الوحيد للمأساة وأن الحل بيدي وذلك أن أحكي لها كل الماضي بالتفصيل فأقسمت لها أنه لا ولن تسمع من عندي حرفا واحدا فتوعدتني أن تكون حياتنا إلى الأبد جحيما. مع العلم أنها تصلي وتصوم وتتصدق ولم تفقد من دينها شيئا واحدا منذ الزواج بل أنها تبيع حليها للمشاركة في بناء المسجد. فهل هناك وسيلة لحل هذه المشكلة وهل أعاقب على ما سببت لها من مرض ومعاناة نفسية مع العلم أنها تقوم بكل واجباتها بإتقان ولا تضيع حقوقي ولكن لايمر يومان إلا ونعود إلى نفس المشكلة مع العلم أنني أعمل بعيدا عنها لمدة شهر وأعود إلى المنزل في عطلة لمدة شهر كذلك وهكذا طوال السنة. فهل هناك حل لهذه المصيبة أريد أن أعيش أريد أن تشفى زوجتي فالرجاء النصيحة لي ولها

بارك الله فيكم.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كانت قريباتك قد أخطأن بما ذكرن لزوجتك عنك، فإنك أنت أيضا قد أخطأت خطأ كبيرا بما قصصته على زوجتك من ماضيك السيئ. فكان من واجبك أن تستر على نفسك بستر الله عليك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري.

أما الآن وقد صار الأمر إلى ما ذكرت، فإن واجبك الأول أن تتوب إلى الله من جميع ممارساتك الماضية، وأن تتوب إلى الله مما قصصته على زوجتك. وفيما يتعلق بحل الأزمة التي هي عليها، فلتبين لها أن من الواجب على الزوجين المحافظة على العلاقة بينهما، ونسيان ماضي كل واحد منهما، حفاظا على عرى الزوجية.

وأن الأخطاء والذنوب لا يكاد يسلم منها أحد، فقد ورد في الحديث الشريف: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه أحمد والترمذي، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. كما في حديث آخر صحيح. وأن الله إذا كان يعفو عمن وقع في الكفر والشرك إذا عاد إلى الإسلام، فكيف بمسلم موحد أذنب وتاب وأفاق من غفلته. ثم كيف وهي المسلمة المتدينة أن لا تحب من أحبه الله تعالى، فإن الله يحب التوابين قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: ٢٢٢} إلى غير ذلك من الأساليب الحكيمة. ونسأل الله أن يعيد حالكم إلى أحسن ما كان عليه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ ربيع الثاني ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>