للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[عموم التوبة مقتض لغفران الذنوب كلها]

[السُّؤَالُ]

ـ[عندي مسألة لو تكرمتم أن تجيبوني عليها جزاكم الله خيراً

والمسألة هي: أن هناك شخصا استهزأ بآية من القرآن فقرأ الآية على وجه ليضحك بها من كان يجلس معه؛ وكان ذلك في زمن غفلة ولم يكن يعلم أن هذه الكلمة أو هذا الفعل يكفر به؛ ويقول إنه ما قصد بذلك السخرية بكلام الله.

المهم بعد مرور سنوات التزم هذا الشاب واهتدى ثم بعد فترة تزوج؛ ثم مرت سنوات وهو على هذه الاستقامة والالتزام؛ ثم في وقت من الأوقات مرت على قلبه تلك الكلمة وبما أنه تعلم شيئاً من العلم الشرعي أدرك عظم تلك الكلمة وخطرها وأنها كفر فقال:

ماذا أفعل: هل يكفي أنني التزمت وتبت توبة عامة من المعاصي؟ أم يلزمني النطق بالشهادتين والاغتسال من جديد لأن تلك الكلمة أوجبت له الكفر ولا ينفعه التزامه وتوبته السابقة من المعاصي بل يلزمه الدخول في الإسلام من جديد ويتلفظ بالشهادتين؟

المهم قال أقطع الشك باليقين وتلفظ بالشهادتين واغتسل

ولكن الإشكال الذي لا يزال يقض مضجعه هو مسألة زواجه فمع أنه تزوج في وقت كان فيه متدينا إلا أنه قال إنني تزوجت قبل أن أتلفظ بالشهادتين يعني هو يظن أن زواجه وقع في زمن كان فيها مرتكبا لناقض من نواقض الإسلام وبالتالي فإن عقد زواجه باطل وأنا في هذه المناسبة ألخص لكم السؤال في نقاط حتى لا أشتت عليكم الموضوع.

أولاً: هل إذا سخر المسلم بشيء من كلام الله ولم يقصد بذلك السخرية بكلام الله ولكن زل لسانه وكان ذلك في زمن غفلة هل يكون بذلك كافراً؟

ثانيا: إذا كان هذا الفعل كفرا ووقع في زمن العصيان ثم تاب صاحبه إلى الله توبة عامة بدون استحضار هذا الفعل فهل يجزئه هذا الالتزام والاستقامة؟ أم يلزمه أن يتوب من ذلك الفعل على وجه الخصوص ويتلفظ بالشهادتين توبة من الكفر؟ ولا ينفعه ذلك الالتزام لأنه تاب من معاص وهو يلزمه أن يتوب من كفر

ثالثاً: إذا كان فعله كفرا وتلفظ بالشهادتين واغتسل وتاب وندم ودخل في الإسلام من جديد فما هو الحكم في مسألة زواجه؟ حيث إنه وقع عقده قبل توبته وتلفظه بالشهادتين هل يلزمه تطليق زوجته ثم إرجاعها؟ وكيف يتم ذلك؟ أعني عملية التطليق والترجيع هل يلزمه إخبار أهلها أم ماذا يفعل؟

رابعاً: إذا كان له أولاد فهل يعتبرون أولاد حرام حيث إنهم جاءوا زمن عقده الفاسد.

وجزاكم الله خيرا. ً

أرجو أن يصلني منكم جواب حول هذه النقاط الأربع وسأكون لكم من الشاكرين.

وفقكم الله وسدد خطاكم.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن الاستهزاء والسخرية بدين الله كفر يخرج صاحبه من الملة سواء كان جادا أو هازلا. وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة وما يترتب عليه في الفتاوى: ٢٣٣٤٠، ١٣٣، ٢٩٤٠٧، ٤٩١٩٤، نرجو الاطلاع عليها.

وعلى من صدر منه ذلك أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى فإن التائب من الذنب كما لا ذنب له، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان: ٦٨-٧٠}

وما دام هذا الشخص قد تاب من جميع الذنوب وندم على ما صدر منه في سابق عهده فإن هذه توبة صحيحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه البيهقي وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني.

والندم -كما قال أهل العلم- توجع القلب وتحزنه لما فعل وتمني كونه لم يفعله، وأولى الذنوب بالدخول في عموم التوبة هو كبائرها وأكبرها الردة والكفر والعياذ بالله تعالى، ولهذا فإنها داخلة في عموم التوبة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: فمن تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها وإن لم يستحضر أعيان الذنوب؛ إلا أن يعارض من هذا العام معارض يوجب التخصيص، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه أو لاعتقاد أنه حسن ليس بقبيح، فما كان لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التوبة، وأما ما كان لو استحضره بعينه لكان مما يتوب منه فإن التوبة العامة شاملة له.

وعلى هذا، فإن زواجه صحيح ولا يلزمه فراق زوجته ولا تجديد العقد ما دام قد تاب قبل ذلك التوبة العامة النصوح.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ رمضان ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>