للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بشائر للمظلوم المتقي الصابر]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله الرحمن الرحيم

أشكركم على هذا الموقع المفيد لأمتنا الإسلامية، وفي البداية عندي مشكلة ليست صغيرة ولا كبيرة، وحبذا تفهموني، عندما كنت أدرس في المرحلة الثانوية حصلت معي مشكلة، وهي لقد ظلموني وأنا لم أفعل إلا كل خير، القصة باختصار هي: أنه عندما كنت أعيش في القسم الداخلي للبنات وأعيش في غرفة والغرف الأخرى ذات سقف واحد وأنا كنت أذهب للدراسة في المساء وأبقى في الغرفة في الصباح وذات يوم أخبرتني فتاة وهي تعيش في الغرفة المجاورة أن هناك فتاة تتواجد في الغرفة عدة مرات وقالت لي أنا لا أقدر أن أظلم أحداً ولكن سوف أراقب هذه الفتاة وأيضاً لم يشتك أحد فقدان شيء، وخلال يوم قالوا إنهن لم يجدن النقود في الحقيبة وقالوا سوف نحلف على المصحف الكريم، ولكن قلت لهم هل المصحف لعبة نحلف، ولقد أخبرتني فتاة أني عندما ذهبت إلى الدرس في المساء اجتمعن وقالوا: إني أخذت النقود وأشياء كثيرة اتهموني بها ولقد أعطيتهم كل ما عندي، ولقد مرت سنوات ولكن عندما أتذكر ذلك أصاب بالألم الشديد إلى درجة البكاء، وملاحظة: لقد أعطاني ربي الكثير وأدعو ربي وكل الناس في القرية التي كنت أعيش فيها علموا وأصبحت لا أخرج كثيراً ولا أعرف النوم وأصبح الناس يتحدثون بهذا الحديث، أريد الكلام الذي يريح النفس والاطمئنان والأذكار التي تقال عندما أرى أحداً من الذين ظلموني يوما وأشكركم أن قرأتم الرسالة جيداً مع التمعن والفهم والرد الذي يريح قلبا لم ينس يوما هذه القضية، والرد السريع؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب أن ما أقدم عليه زميلاتك من اتهامك دون بينة واضحة، ظلم كبير، ولكن لا ينبغي أن يؤثر ذلك عليك إلى الحد الذي ذكرت في رسالتك، بل الذي ينبغي لك هو أن تستعيني بالصبر وتقوى الله، فإن من كان مظلوماً مبغياً عليه وصبر واتقى الله، كان له البشرى من الله، والنصر في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {البقرة:١٥٥} ، وقال تعالى في شأن يوسف عليه السلام، لما فعل به إخوته ما فعلوا فصبر واتقى حتى نصره الله ودخلوا عليه وهو في عزه: قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:٩٠} ، وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أقسم عليهن، فذكر من الثلاثة: ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا. رواه الترمذي.

وليكن لك أسوة حسنة بهذه المرأة الصالحة، التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين ومسند أحمد واللفظ له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وبينما امرأة في حجرها ابن لها ترضعه إذ مر بها راكب ذو شارة، فقالت اللهم اجعل ابني مثل هذا، قال: فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، قال: ثم عاد إلى ثديها يمصه، قال أبو هريرة: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عليَّ صنيع الصبي ووضعه أصبعه في فمه فجعل يمصها. ثم مر بأمة تضرب فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، قال: فترك ثديها وأقبل على أمه، فقال: اللهم اجعلني مثلها يا أماه، قال: فذلك حين تراجعا الحديث، فقالت: حلقى مر الراكب ذو الشارة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومر بهذه الأمة فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، فقال: يا أماه إن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وإن هذه الأمة يقولون زنت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، وهي تقول حسبي الله. فهذه المرأة الصالحة اتهمت بالباطل بالسرقة والزنا، فصبرت واتقت ولم تجزع، وليس هناك أذكار تقال عند رؤيتك لأحد من الذين ظلموك، وإنما هناك أدعية وأذكار لدرء شر العدو الظالم، ذكرناها في الفتوى رقم: ٢٠٣٤٣.

والذي ننصحك به أن تعفي عمن ظلمك، فإن في ذلك خيراً كثيراً، كما قال الله تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:١٣} ، وقال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {النور:٢٢} .

وفي صحيح مسلم وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وما ذكرت من أن الناس لا يزالون يتحدثون عن هذا الاتهام الذي اتهمت به بعد مرور عدة سنوات، فالغالب على الظن أنه غير صحيح، وأنه عبارة عن وهم حملك عليه فرط حساسيتك من هذا الموضوع، ولو فرض أنه صحيح، فالمشروع أن تدفعي عن نفسك هذا الاتهام الباطل لا أن تسكتي وتتجرعي آلام هذا الاتهام، فإن هذا لا خير فيه، ونسأل الله أن يفرج همك وأن يشرح صدرك، وأن يقيك نزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وراجعي الفتوى رقم: ١٦٩٤٦، والفتوى رقم: ٢٦٨٠٦، والفتوى رقم: ٩٥٧٣.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ رجب ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>