للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التوبة مانعة من لحوق الوعيد]

[السُّؤَالُ]

ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إنني مررت بظروف ومصائب كثيرة من الصغر، وتزوجت رجلا أهملني ولا يحترمني، ويضربني، وفي تلك الظروف وقعت في الزنا كثيرا، وعملت ذنوبا كثيرة، والآن ندمت على كل شيء، وأكاد أجن مما فعلت، وخائفة جدا، وخائفة من عقابه، فأنا تعبت يا ربي ماذا أعمل؟! هل أقتل نفسي؟! وإني أتمنى أن أعترف بما فعلت وأنال العقاب، إذا كان لا يوجد طريق لي غير ذلك، يا شيخ لا أريد كلمات التطمين، ولكن أريد الحقيقة، فهل التوبة الصادقة تجنبني عقاب الله برزخيا وفي الآخرة؟ فوالله إنني في عذاب وبكاء مستمر، بالله عليك ساعدني مما أنا فيه، وردك علي سيكون مصيري بالنسبة لي، وجزاك الله خيرا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا شك أن الزنا فاحشة من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل، وسوء عشرة الزوج لا يعتبر مسوغًا للوقوع فيها، فإن للزوجة إذا أضرّ بها زوجها أن تطلب منه الطلاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك في الموطأ وغيره.

أمَّا وقد ندمت وتبت فعليك أن تكثري من الاستغفار وعمل الطاعات، وأن تستري نفسك بستر الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم الأسلمي: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن أَلَمَّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله. رواه الحاكم.

واعلمي أن التوبة الصادقة مكفرة للكبائر ماحية لأثرها، فلا تيأسي من روح الله. قال أبو العباس القرطبي - فيما نقله ابن حجر في الفتح -: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعًا.

وقال ابن القيم في "حادي الأرواح": قد دلَّ النصُّ والإجماع على أن التوبة مانعة من لحوق الوعيد، ويمنع من لحوقه أيضًا الحسنات الماضية، والمصائب المكفرة، ودعاء المسلمين، وشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة، وشفاعة أرحم الراحمين إلى نفسه.

ولا يمنع ذلك من البكاء على المعصية والوجل والخوف من الله تعالى؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله عقبة بن عامر رضي الله عنه: ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن.

قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره: فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عز وجل، أن يكونوا خائفين من معاصيهم، وجلين، وهم أيضًا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٩ جمادي الأولى ١٤٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>