للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بطلان الاحتجاج بالقدر على اقتراف المعاصي]

[السُّؤَالُ]

ـ[كنت مع ثلاثة من الشباب مجموعة للدعوة إلى الله ولكن هناك مشكلة وهي: أن أغلب من ندعوهم وبعد كثير من الكلام يقولون (الله ما يريد لنا الهداية) أو (الله ما بدو يهدينا) ، أو (لو كان الله بدو إيانا لهدانا من زمان) ، أو غير ذلك من الحجج الباطلة، وإنا نذكرهم بقول الله تعالى: (إنا هديناه السبيل ... ) وقوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) ، وغيرها ولكن عبث!!! فهلا نصحتمونا بأحاديث أو كلمات حتى ندحض هذه المقولة الباطلة والمنتشرة كالسرطان بين الشباب؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاحتجاج بعض الناس على الاستمرار في المعاصي بالقدر وقولهم (لو شاء الله لهدانا) احتجاج باطل لأن هذه هي الحجة التي احتج بها المشركون ولم تنفعهم؛ كما قال الله تعالى عنهم: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا [الأنعام:١٤٨] ، أي عذابنا؛ كما في تفسير الجلالين وغيره. فلو كانت هذه الحجة نافعة لنفعت المشركين.

وعليه؛ فالواجب على هؤلاء الناس أن يتقوا الله تعالى ولا يستمروا في مغالطة أنفسهم؛ لأن الله تعالى أعطى العبد مشيئة واختيارا تحت مشيئة جل جلاله لقبول الخير بعد أن بين له حقيقته والوسائل الموصلة إليه، وكذلك الشر، قال الله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:١٠] ، قال ابن كثير: أي بينا له الخير والشر. وكل إنسان يحس من نفسه ذلك وأنه غير مرغم على مقارفة المعاصي؛ ولكن بعض الناس يتعامون عن الهدى كما فعلت قوم ثمود الذين قال الله عنهم في كتابه: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:١٧-١٨] .

فلا نجاة للعبد إلا بالتقوى والإقبال على الهداية والبعد عن خطوات الشيطان ومكره، فالذي ننصحكم به أن تبينوا لهم أنهم غير مجبورين على الضلالة وأن بإمكانهم أن يتوجهوا إلى الله في أي وقت، وحاشا الله أن يمنع الهداية من أقبل إليها وصدق في طلبها، فإن استجابوا فلله الحمد، وإن لم يستجيبوا فاستمروا في دعوتهم ونصحهم وأعلموهم أن في هدايتهم عمارة مستقبلهم الحقيقي، وأن الإنسان في هذه الحياة لا يضمن لنفسه الحياة في هذه الدينا لحظة واحدة، فإذا مات على غير هدى فهو من الخاسرين، ولا ينفعه ماله ولا ولده.

وليس عليكم إلا البلاغ وهداية الإرشاد، وأما الهداية التوفيقية للاستقامة فهي من الله وحده، فقد قال الله لرسوله: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:٤٨] ، وقال سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:٥٦] ، ولذا فلا شيء عليكم إذا أصروا على ضلالهم، فلستم بأحكم من محمد عليه الصلاة والسلام ولا أجدر منه في هداية الناس ومع ذلك لم يستطع هداية من حرص على هدايته ممن أراد الله له سوء الخاتمة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ ربيع الثاني ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>