للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الله قادر على تعطيل الأسباب ومنع نتائجها]

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد إجابة شافية وافية لكي أواجه الدكتور في رأي زنديق حيث يقول إن الله هو من خلق القدر ولكنه ليس له يد فيه وأعطى مثالا على ذلك أنه لو هناك سيارتين تريدان أن تدخلا إلى نفق والنفق لا يسع إلا سيارة واحدة يقول إننا سوف نتوقع حادثاً تقريبا كل خمس دقائق ولكن ليس لنا يد في الأمر كذلك الله.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالإيمان بالقضاء والقدر أصل من أصول الإيمان، وركن من أركانه لا يتم إيمان المرء إلا به، ومعناه الاعتقاد بأن الله تعالى عالم أزلاً بجميع خلقه، وجميع أفعالهم وأحوالهم، وأنه تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ، والإيمان بعموم مشيئته تعالى لجميع الأشياء، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع في ملكه شيء لم يرده، وأن أفعال العباد حاصلة بهذه المشيئة كما قال تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً* إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف: ٢٣-٢٤] .

والاعتقاد بأن جميع الأشياء واقعة بقدرة الله، وأنها مخلوقة له لا خالق لها سواه، وما تقدم من عقيدة القدر ثابت بالنص وبالعقل، فأما النص: فما ورد في الكتاب والسنة من الأدلة على ما ذُكر، وهي كثيرة معلومة كقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:٤٩] .

وأما العقل: فإن الإيمان بالله تعالى وصفاته العليا من الحياة والقدرة والعلم والحكمة والسمع والبصر والإرادة، يقتضي لا محاله شمول علمه وإرادته وقدرته لكل معلوم ومراد ومقدور لا يُستثنى من ذلك شيء مهما كان حقيراً أو عظيماً، والنتيجة الحتمية لشمول الصفات الإلهية وعموميتها منذ الأزل هي أن تكون كل حادثة كونية معلومة لله ومرادة له.

وهذا الشخص -المشار إليه في السؤال- إما أن يؤمن بالله بصفاته فيلزمه الإيمان بالقدر كما بيناه، وإما أن لا يؤمن بالله فينتقل معه إلى إثبات الخالق الموصوف بصفات الإلهية والخالقية قبل الكلام معه في مسألة القدر.

وبخصوص المثل الذي أورده واستدل به على عقيدته الباطلة يقال: إن من جملة الإيمان بالقدر الإيمان بأن الله تعالى رتب المسببات على الأسباب وربط حدوثها بها، يقول شارح الطحاوية: فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.

وإذا تقرر ذلك فنقول: إن دخول سيارتين في نفق لا يسع إلا سيارة واحدة، سبب أكيد لتصادم السيارتين إلا أن يشاء الله منعه، وإنما تأكد لنا وقوع الحادث، لأن عادة الله جرت أن المُسبب يتبع سببه وجوداً وعدماً.

لكن الله تعالى قادر على تعطيل الأسباب ومنع نتائجها، ولهذا لم تضر النار إبراهيم عليه السلام حيث ألقي فيها، ولم يُصب يونس عليه السلام بأذى مع بقائه في بطن الحوت، وشرب خالد بن الوليد السم متوكلاً على الله فلم يضره.

وكيف يشك مسلم في أن الله تعالى قادر على إيقاف هاتين السيارتين وحجزهما عن التصادم، والأمر كله إليه، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:٦٧] .

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ ذو القعدة ١٤٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>