للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[قول الملحد: ماذا كان يفعل الله قبل خلق الدنيا؟]

[السُّؤَالُ]

ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السادة الأفاضل.. إنني أحمل اليكم سؤالاً غريبا وأنا في الحقيقة خجل من أن أسأل عنه أحداً أساساً، ولكن أريد أن أسمع إجابة شافية.

أما بعد فإنني شاب مسلم ولقد تربيت على الإسلام وأنا الآن أدرس في الولايات المتحدة وهناك الكثير من شياطين الإنس والجن كما تعلمون! وفي أحد الأيام سألني أحد الملحدين الذين لا هم لهم إلا الإنكار (أستغفر الله) . المهم قد قال: مادام الله قادر على كل شيء كما تؤمن أنت فهل يستطيع الله أن يخلق صخرة كبيرة بحيث لا يستطيع هو تحريكها؟ وقال أيضا: , بما أنك تؤمن أن الله خلق الدنيا في سبعة أيام وخلق آدم وحواء فماذا كان يفعل الله قبل ذلك؟؟ أرجوكم سامحوني على هذه الأسئلة الغريبة فأنا خجل حقا منها وأرجو من الله أن يغفر لي هذه الجرأة.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فطريقة السلف الصالح الإعراض عن مجالسة أهل الأهواء والشبهات، لأن مجالستهم تمرض القلب، وتورث الشبهة، وتوقع في الريب. لا سيما من لم يكن مؤهلا لذلك برسوخه في العلم، ودرايته بالمناظرة وآدابها.

ولهذا ننصحك بتجنب ذلك ما أمكنك.

وأما قول هذا الملحد: هل يستطيع الله ... إلخ كلامه الباطل، فجوابه أن الله تعالى على كل شيء قدير، ومن كان قادراً كيف يخلق صخرة لا يستطيع تحريكها؟! وما المخلوق بالنسبة للخالق؟! إن هو إلا كذرة في الفضاء يحركها الله تعالى كيف يشاء، ويعدمها حين يشاء. وهل يصل خيال الإنسان إلى صخرة أعظم من السموات أو الأرض أو الأفلاك؟!

والسموات والأرض يطويها الله تعالى يوم القيامة.

فهذا السؤال خطأ من أصله، فالله قادر على أن يخلق هذه الصخرة الكبيرة، وهو قادر على إفنائها، وإعدامها فضلا عن تحريكها، وافتراض أنه يعجز عن ذلك نفي للقدرة.

والله تعالى ليس كمثله شيء، ولا تُضرب له الأمثال، ولا يسأل عما يفعل سبحانه، ولا يفعل إلا لحكمة جل وعلا.

وآثار قدرته وعظمته واضحة جلية، لا تخفى إلا على من أعمى الله بصيرته، فليتخيل هذا الملحد أعظم مخلوق يراه، أو يسمع عنه من بحر أو جبل أو كوكب، ثم ليعْلم أن هذا المخلوق لم يوجد صدفة، ولم يسر على هذا الترتيب البديع الدقيق، إلا بمسير ومقدر عظيم هو الله سبحانه وتعالى.

وليعتبر الإنسان بأبسط المخترعات، فلو نظر إنسان إلى "مصباح كهربائي"، وزعم أن مادته وأسلاكه اجتمعت صدفة، ثم تشكلت بهذا الشكل، وأنارت دون تدخل من صانع، لكان كلامه هذا من جنس كلام المجانين، أفيكون هذا العالم وما فيه من مخلوقات عظيمة موجوداً بنفسه صدفة؟!

قال الله تعالى: (أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) [الطور: ٣٥، ٣٦] .

وقد وجه الله الإنسان لينظر في نفسه، وما حوله مما خلق الله، ليتعرف على عظمة الله وقدرته: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: ٢١] .

(أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) [الغاشية: ١٧-٢٠] .

وأما سؤاله عن الله تعالى وفعله قبل خلق آدم وحواء والسموات والأرض.

فالجواب: أن الله تعالى أخبرنا عن خلق السموات والأرض، وعن خلق آدم، وعن خلق القلم الذي كتبت به مقادير الخلائق، وأخبرنا عن وجود الملائكة والجن قبل خلق آدم، فالواجب الإيمان بذلك، والسكوت والإمساك عن الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه مع الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق والخلاق العليم، وأن الخلق صفة من صفاته، ثابتة له سبحانه كسائر صفاته، ولا يتوقف ثبوتها على وجود هذه المخلوقات التي نعلمها، بل لم يكن الله تعالى معطلاً عن صفة الخلق، لكنه لم يخبرنا عن مخلوقاته، فنؤمن بما أخبر ونسكت عما عداه.

قال الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقاها الأئمة بالقبول: (خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة. ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بخلقهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، كما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً. ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم.) انتهى.

والقاعدة التي يقوم عليها الإيمان: قوله تعالى، (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون) [الأنبياء: ٢٣] .

وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته. والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ ذو القعدة ١٤٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>