للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسائل في الكفر العملي والاعتقادي]

[السُّؤَالُ]

ـ[من أشد كفرا؟ هل فرعون؟ أم شخص يسب الله؟ فأنا أعرف أن أشد الناس عذابا هو الأشد كفرا ألا وهو فرعون وقومه، وأنا سألت أحد العلماء، فقال لي: إن سب الله من أقبح وأسوإ أشكال الكفر، فهل معناه أن من يسب الله أشد كفرا من فرعون؟ وهو أعظم في الكفر من شخص يرتد ارتدادا كليا عن الإسلام، وأريد أن أعرف، هل الكفر اللفظي أخطر أم العملي؟ ولماذا؟ حيث قال لي نفس الشيخ إن الكفر اللفظي أخطر وأعظم من العملي، فلماذا؟.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسب الله ـ جل جلاله ـ من أشد أنواع الكفر وأقبحها وأسوئها، إلا أن فرعون أشد كفرا ممن يسب الله، لأن فرعون كان ينكر وجود الله وربوبيته فضلا عن إنكاره لألوهيته، ولا شك أن هذا أبلغ من السب الذي هو انتقاص لذات الله مع الإقرار بوجوده وربوبيته، وانظر الفتوى رقم: ١٢٥١٧٢،

وأما كفر المرتد فهو أشد وأغلظ من كفر الكافر الأصلي، كما سبق في الفتوى رقم: ٤٠١١٣.

وأما كون الكفر اللفظي أخطر من الكفر العملي، فهذا إنما يكون إذا قصدنا بالكفر العملي ما عرفه بعض العلماء بقولهم: هو كل معصية أطلق عليها الشارع اسم الكفر مع بقاء اسم الإيمان على عامله، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

وقوله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

فأطلق صلى الله عليه وسلم على قتال المسلمين بعضهم بعضا أنه كفر، وسمى من يفعل ذلك كفارا، وإنما يكفر العبد بتلك المعاصي مع استحلاله إياها المستلزم لتكذيب الكتاب والرسول في تحريمها، بل يكفر باعتقاد حلها وإن لم يفعلها. من أعلام السنة المنشورة لحافظ بن أحمد الحكمي بتصرف.

لكن هناك أعمال كفرية تخرج صاحبها من الملة، وتسمى كفرا عمليا من جهة وقوعها بالجوارح، إلا أنها تستلزم الكفر الاعتقادي ولا بد، مثل السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسب الرسول والهزل بالدين.

قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في أعلام السنة المنشورة: اعلم أن هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده، لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد، ولم تكن هذه لتقع إلا من منافق مارق، أو معاند مارد، وهل حمل المنافقين في غزوة تبوك على أن {قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} .

إلا ذلك؟ مع قولهم لما سئلوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} .

قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .

ونحن لم نعرف الكفر الأصغر بالعملي مطلقا، بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله.

وعلى ذلك فالصواب هو التفصيل في حكم الكفر العملي، وأنه ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام، وهو ما يدل على الاستهانة بالدين والاستهتار به، كوضع المصحف تحت القدم، والسجود لغير الله، وذبح قربان لغير الله. فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية.

والظاهر أن المقصود بالكفر العملي في السؤال هو القسم الذي لا يخرج من الملة، وإنما هو معاص سماها الشارع كفرا مع بقاء الحكم بالإيمان لفاعلها، وعلى ذلك يكون الكفر اللفظي مثل سب الله تعالى أشد منه بلا شك، لأنه كفر أكبر مخرج من الملة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>