للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم سوء الظن بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر إذا كان عن جهل بأن ذلك كفر؟ وبالنسبة للحديث الذي جاء فيه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون أنهم يجدون في صدورهم ما تزول منه الجبال وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها صريح الإيمان فإذا كانت الأفكار التي تأتي للمسلم فيها سوء ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم وظل الانسان يفكر فيها عن جهل فهل تكون كفرا؟ وهل هناك كفارة لسوء الظن بالنبي؟]ـ

[الفَتْوَى]

خلاصة الفتوى:

سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء كفر إذا كان متعلقا بصدقه أو أمانته أو تبليغه. ويعذر فيما سوى ذلك بالجهل قبل العلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مما يجب اعتقاده في حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام هو التصديق والأمانة والتبليغ، فإن كان سوء الظن متعلق بهذه فإن صاحبه يكفر بذلك، وعليه المبادرة بالتوبة والنطق بالشهادين، وإن كان فيما دون ذلك فإنه فسق ومعصية تجب التوبة منها، ولذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تنقية قلوب أصحابه ويزيل كل شبهة يمكن أن تؤدي إلى سوء الظن بالمعصوم، وصدق الله العظيم حيث يقول في محكم كتابه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ {التوبة:١٢٨} ويقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم:٤}

فقد جاء في الصحيحين: أن إحدى نسائه زارته وهو معتكف في المسجد فقام معها ليقلبها إلى بيتها، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا: أو قال: شيئا.

قال النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: فيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم وكان بالمؤمنين رحيما، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان في قلوبهما فيهلكا، فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم.

ومن وقع منه مثل هذا جهلا وجب تعليمه والظاهر- والله أعلم- أنه معذور بجهله كما أشرنا لقول الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام: ... قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {الأعراف: ١٣٨} ولقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون.

وبالنسبة لما أشرت إليه مما كان يجده الصحابة في أنفسهم وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه صريح الإيمان فإن ذلك ليس من باب سوء الظن بالمعصوم، وإنما هو من باب الوسوسة في الإيمان، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقولونه عند ذلك. فمما ورد في ذلك ما جاء في صحيح مسلم: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق فمن خلق الله؟! فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله. وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟! فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.

قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان، معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فان استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.. وقيل: معناه إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فانه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة؛ بل يتلاعب به كيف أراد.

وبهذا تعلم معنى الحديث، وأن الصحابة لم يكونوا يسيئون الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما كانوا يستعظمون ما يجدون من وسوسة الشيطان في نفوسهم فأرشدهم إلى ما جاء في الحديث.

وأما كفارة سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتكون بالتوبة النصوح إلى الله تعالى وتجديد الإيمان بالنطق بالشهادتين والإكثار من النوافل وأعمال الخير..

وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى: ٥٤٣١٠.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٥ رمضان ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>