للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[معرفة الله لا تتم إلا بالعقل والقلب معا]

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت مقولة يقولها عامة الناس إن الله عرفوه بالعقل أريد أن أعرف هذه المقولة، وهل الله عرفناه بالعقل ولا القلب وأريد الفرق بين القلب والعقل، وماذا عن هذا وعن هذا؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أما مقولة (إن الله عرفوه بالعقل) فهي صحيحة في الجملة لأن الله كرم الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف، وهيأ له السبل كي يبحث في الكون بالنظر والتأمل والاستدلال، ومن المعلوم أن الإنسان يستدل على معرفة الله بالعقل والشرع، ولكن تفاصيل المعرفة وما يترتب عليها من تكاليف شرعية لا تثبت إلا بالوحي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة، بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح فقط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع، وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط. انتهى. من درء تعارض العقل والنقل.

وقولك: عرفناه بالعقل ولا بالقلب: فمعرفة الله سبحانه تكون بالعقل والقلب معاً، فالتفكر في مخلوقات الله يكون بالعقل، ثم ينتقل من دائرة العقل إلى دائرة اليقين بالقلب، وقد قرنت الآيات القرآنية التفكر في خلق السماوات والأرض -وهذا يكون بالعقل- بالتوجه القلبي لذكر الله وعبادته، فقال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {آل عمران:١٩٠-١٩١} .

قال ابن القيم في الفوائد: الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته عن طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته، والثاني: التفكر في آياته وتدبرها، فتلك آياته المشهودة، وهذه آياته المسموعة المعقولة. انتهى.

أما الفارق بين العقل والقلب: فالعقل يراد به الغريزة التي بها يعلم الإنسان، وقيل: هو نور في القلب يعرف الحسن والقبيح والحق والباطل، والقلب هو محل العلم والإرادة، قال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {الحج:٤٦} .

قال ابن تيمية: إن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معاً، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد. انتهى بتصرف.

ولهذا يمكن أن يقال: إن القلب موطن الهداية، والعقل موطن الفكر، ولذا قد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية الذي محله القلب واكتسب عقل الفكر الذي محله الدماغ والعكس، فهذا بعض ما قيل في الفرق بين العقل والقلب، وقد قيل غير ذلك، وعلى كل حالٍ فلا ينبغي أن يضيع المرء وقته ويشغل فكره في هذا لأنه لا طائل من وراء معرفة الفرق بينهما.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٠ شعبان ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>