للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الصلاة فرض على المسلم أينما حل وارتحل]

[السُّؤَالُ]

ـ[سألتكم سابقا عن قضاء الصلوات

فأنا بدأت أصلي في الثانية والعشرين , وقد أجبتموني أنه يجب علي قضاء كل ما فاتني.

ولكن قرأت في فتاوى سابقة أنه من لم يكن يعلم أهمية الصلاة أو أنها واجبة عليها لا يجب عليه القضاء.

فأنا أعيش في بلد مسلم ولكن للأسف فالقليلون هنا يصلون , وأنا لم أكن أعلم أن عدم الصلاة يعد كفرا , وقد كنت أبحث عمن من يعلمني الصلاة ولم أجد, وكانت نيتي أن أصلي عندما أكبر ويصبح لي منزل أعيش فيه لوحدي

فالصلاة هنا صعبة جدا ... معظم أهل هذا البلد ليسوا من السنة , وأهل السنة قليلون ويعيشون في مناطق بعيدة عني, حتى أن كل أصدقائي تركوني بعدما عرفوا أني أصلي, وأينما ذهبت تسمع الناس يسبون الله والعياذ بالله , قد تقولون إني أبالغ ولكن صدقوني, حتى أني في صالة الإنترنت هنا من حيث أكتب إليكم توجد صالة ألعاب..ولا تمضي ٥ دقائق دون أن تسمع أحدهم يسب ويلعن الله فهل مخالطة هؤلاء يعد كفرا

وأمي أيضا كانت تصلي حتى أتت إلى هذا البلد وهي لم تصل منذ ٢٥ عاما.

وقد عادت إلى الصلاة بفضل الله وبعدما طبعت لها الكثير من الفتاوى المتعلقة بتارك الصلاة من هذا الموقع فهل يجب عليها القضاء.

عذرا على الإطالة.

ولله الحمد]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن شأن الصلاة عظيم، وتركها من أعظم الكبائر لأنها عماد الدين، إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأمرها ليس أمرا سهلا بحيث يجامل المسلم بها غيره من الناس بحيث إن رآهم يصلون صلى وإن تركوا الصلاة أو كانوا كافرين تركها، فهذا ليس من أعمال المسلمين، فالمسلم يصلي ويصوم ويأتي بالفرائض وجوبا ويجتنب النواهي أينما حل وارتحل، لا يصده عن ذلك كفر الكافرين ولا فسق الفاسقين؛ لأنه يسعى لإرضاء الله سبحانه، وقد فرض الله على المسلم هذه الفرائض فلا بد أن يأتي بها. وكل مسلم نشأ في بلد الإسلام يعلم فرض الصلاة ولا يسعه جهل ذلك ولا يعذر بذلك، لأنه إما يعلم ويتجاهل أو لا يعلم، لكنه فرط في تعلم ذلك لإمكان التعلم في بلاد الإسلام وحتى لو ذهب المرء إلى بلد من غير بلاد المسلمين فلا يعذر بذلك أيضا، والواجب عليه أن يسأل عن الصلاة وأحكامهما أو يستصحب كتبا توضح ذلك له. واعلم أن العلماء اتفقوا على كفر تارك الصلاة جحودا لها، واختلفوا في كفر تاركها تهاونا.

فالأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي يرون أنه غير كافر، والواجب عليه التوبة ثم القضاء. والإمام أحمد يرى أنه كافر والواجب عليه التوبة، ولا قضاء عليه إلا أنه كفر بتركه الصلاة. وكنا قد أوضحنا تفاصيل هذا في الفتاوى التالية: ٥٣١٧، ٥٢٥٩، ٤٣٠٧.

والذي ننصحك به أنت وأمك أن تتوبا إلى الله تعالى من التهاون بالصلاة، وتقضيا ما فاتكما من الصلاة حسب المستطاع بأن يقضي كل واحد منكما ما استطاع في اليوم والليلة، وللمزيد راجع الفتوى رقم: ٢١٨٤٩، والفتوى رقم: ٢٦٢٧٥، والفتوى رقم: ٢٩٦٧١، واعلم أنه لا تجوز الإقامة في بلاد الكفار إذا لم يقدر المسلم على إقامة شعائر دينه إلا لضرورة، ولذلك راجع الفتوى رقم: ٤٤٥٢٤، والفتوى رقم: ٤٥٩٠٩ ففي هذه الفتوى الأخيرة المشار إليها نصيحة موجهة إلى المسلمين المقيمين في بلاد الكفر.

واعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يدخل هذه الأماكن التي يسمع فيها هذا الكلام وخصوصا إذا كان لغير ضرورة، ومن سمع هذا الكلام ولم يرض به فإنه غير كافر، ولا تجوز مخالطة هؤلاء الذين يسبون الله ولا الجلوس معهم في حال خوضهم في هذا الكفر. قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: ١٤٠} فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر، سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠١ ربيع الثاني ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>