للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هل اعتدى سعد حين دعا بثلاث على من ظلمه]

[السُّؤَالُ]

ـ[في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما دعا على أسامة بن قتادة الذي ظلمه بـ (فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن) ، سؤالي هنا ... ما حكم وسبب دعائه على الرجل بالفتنة مع العلم بأنه لا يصح للمسلم أن يتعدى في الدعاء، مع أن سعدا رضي الله عنه صحابي جليل ويعلم أكيد بحكم التعدي!! أتمنى أن يكون سؤالي واضحا وأرجو توضيح اسم الشيخ المفتي؟ شاكرين لكم جهودكم.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما لا شك فيه أنه يجوز للمسلم الدعاء على من ظلمه، وحديث سعد بن أبي وقاص من الأدلة على ذلك، ولا شك أيضاً في أنه لا يجوز مجاوزة الحد في الدعاء على الظالم، ولكن لننظر من خلال كلام أهل العلم هل اعتدى سعد رضي الله عنه في دعائه على هذا الرجل أم عامله بكل عدل وإنصاف، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري أثناء شرحه لهذا الحديث: والحكمة في ذلك أنه نفى عنه الفضائل الثلاث وهي الشجاعة حيث قال: لا ينفر، والعفة حيث قال: لا يقسم، والحكمة: حيث قال: لا يعدل. فهذه الثلاثة تتعلق بالنفس والمال والدين فقابلها بمثلها، فطول العمر يتعلق بالنفس، وطول الفقر يتعلق بالمال، والوقوع في الفتن يتعلق بالدين، ولما كان في الثنتين الأوليين ما يمكن الاعتذار عنه دون الثالثة قابلهما بأمرين دنيويين والثالثة بأمر ديني، وبيان ذلك أن قوله "لا ينفر بالسرية" يمكن أن يكون حقاً لكن رأى المصلحة في إقامته ليرتب مصالح من يغزو ومن يقيم، أو كان له عذر كما وقع له في القادسية. وقوله "لا يقسم بالسوية" يمكن أن يكون حقاً، فإن للإمام تفضيل أهل الغناء في الحرب والقيام بالمصالح، وقوله "لا يعدل في القضية" هو أشدها، لأنه سلب عنه العدل مطلقاً وذلك قدح في الدين، ومن أعجب العجب أن سعداً مع كون هذا الرجل واجهه بهذا وأغضبه حتى دعا عليه في حال غضبه راعي العدل والإنصاف في الدعاء عليه، إذ علقه بشرط أن يكون كاذباً، وأن يكون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي. انتهى.

أضف إلى ذلك أن الدعاء عليه بالتعريض للفتن ليس فيه -في حد ذاته- دعاء عليه بالفتنة في دينه، بل هو دعاء عليه بالابتلاء والامتحان بالفتن، وقد دعا عليه بذلك كما قال الحافظ ابن حجر لكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده.. فتبين بهذا أن الأمر على عكس ما فهمت أنت، وأن سعداً رضي الله عنه لم يعتد في دعائه على أسامة بن قتادة، بل أنصفه وهذا هو الظن بأبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ولعلك تدرك ما بلغ إليه هذا الرجل من مبلغ عظيم في الاعتداء على سعد رضي الله عنه حين يقول مثل هذه الاتهامات في حق رجل من العشرة المبشرين بالجنة، وكان يفتخر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان محل ثقة عمر رضي الله عنه حين ولاه على الكوفة، فهو الوالي وليس واحداً من عامة الناس، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: ٢٠٣٢٢، وعن الشيخ المفتي يمكنك مراجعة الفتوى رقم: ١١٢٢.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٨ ذو الحجة ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>