للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم رسم صور خيالية للجن والشياطين فيها ذنب وأسنان حادة وقرنان٠٠٠]

[السُّؤَالُ]

ـ[أعلم أنّ الجن والشياطين لا نراها على شكلها الحقيقي. ولكن مع ذلك يتجرأ بعض الناس لرسم صور خيالية لها كأن يرسموا لها ذنبا وأسنانا حادة وقرنين. فما حكم من يعلّق هذه الصور؟ وإذا قيل له هذا منكر يجيب: إن الحرام هو تعليق صور ذوات الأرواح, أما الجن والشياطين فلا أروح لها.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فرؤية الإنسي للجني نفاها جمع من أهل العلم، منهم الشافعي، فقال في أحكام القرآن: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته؛ لأن الله عز وجل يقول: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إلا أن يكون نبيا.

وقال أبو القاسم بن عساكر في كتاب سبب الزهادة في الشهادة: وممن ترد شهادته ولا تسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانا ويدعي أن له منهم إخوانا.

ونقل ابن حجر في فتح الباري كلام الشافعي ثم قال: هذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور.

واستحسن الخطيب الشربيني هذا التفريق بين رؤيتهم على ما خلقوا عليه، ورؤيتهم إذا تصوروا في صورة بني آدم ونحوهم.

ومما يدل لرؤيتهم بعد التشكل قوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي. رواه البخاري ومسلم.

قال البغوي: فيه دليل على أن رؤية الجن غير مستحيلة، فأما قوله تعالى وتقدس: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ فإنه حكم الأعم والأغلب من الآدميين امتحنهم بذلك ليفزعوا إليه عز وجل، ويستعيذوا به من شرهم.

وقد سبق في مسألة رؤية الجن بعض الفتاوى، انظر منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٥٢٤١، و ٨٣٤٩، و ٩٥٩١. وكذلك سبقت فتاوى في أشكالهم وطعامهم ودوابهم، انظر: ٩٥٩١، و ٤٧٢١٢. وفي كونهم مكلفين انظرالفتوى رقم: ٣٤٧٨، والفتوى رقم: ٣٦٢١.

وسواء أخذنا بقول هؤلاء أو أولئك فإن مسألة تصويرهم لها الحكم نفسه لتصوير الآدمي لأنه لم يرد دليل يخصهم من عموم تحريم ذوات الأوراح. فإنهم أحياء مكلفون من ذوات الورح مثلنا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وُجُودَ الْجِنِّ تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ تَوَاتُرًا مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ، وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عُقَلَاءُ فَاعِلُونَ بِالْإِرَادَةِ، بَلْ مَأْمُورُونَ مَنْهِيُّونَ لَيْسُوا صِفَاتٍ وَأَعْرَاضًا قَائِمَةً بِالْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ.

وأكثر أهل العلم على تحريم رسم ذوات الروح ـ والجن منهم ـ فقد قال رجل لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ؟ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا. فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. رواه البخاري. وفي رواية: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ. وقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. رواه مسلم.

قال البغوي: أما صورة الأشجار والنبات، فلا بأس بها. . وقال ابن عبد البر: كان مجاهد يكره صورة الشجر. وهذا لا أعلم أحدا تابعه على ذلك. .

فلا يجوز تصوير شيء فيه روح، ولا تعليق صورته، وقد علمت مما سبق أن لا فرق بين أن يكون المصور من ذوات الأوراح إنسا أو جنا أوحيوانا، وأن ما يفعله أولئك الذين وصفت من أمرهم ما وصفت هو الحرام.

وقد سبق تفصيل حكم التصوير في الفتاوى ذات الأرقم التالية: ٥٨١، ٦٨٠، ١٣١٧، ٤٨٣٧٩،، ١٠٨٨٨، ١٤٥٦٩.

وقد علمت مما سبق أنه لا فرق بين أن يكون المصَوَر من ذوات الأرواح إنسا أو جنا أو حيوانا وأن ما يفعله أولئك الذين وصفت من أمرهم ما وصفت هو من الحرام.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٩ رجب ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>