للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[رؤية الإنسان للجن]

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد سبق أن أرسلت لکم سؤالا حول رؤية الجن بأشکال مختلفة، وکان الجواب أننا نستطيع أن نراهم وهم يستطيعون ذلك، ولکن في موقع المختصر ولنفس السؤال قالوا لا يستطيع الإنسان أن يري الجن، ولکن يستطيع الجن أن يري الإنسان لما ورد في سوره النور أو الجن {لقد نسيت في أي سورة} ، وبما معني الآية (إنهم يرونکم من حيث لا ترونهم) .. أفيدونا بفتوي صحيحة، ولا تحيلونا إلي فتوي أخري؟ وجزاکم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن وجود الجن حقيقة واقعة أعلمنا الله بها، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:٥٦} ، وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم يرون بني آدم من حيث لا يراهم بنوا آدم، قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ {الأعراف:٢٧} ، وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها، وليس في الآية أنهم لا يراهم أحد من الإنس بحال، بل قد يراهم كثير من الإنس، لكن لا يرونهم في كل حال من أحوال الجن، فقد يتشكل لهم الجن بأشكال مختلفة وصور متنوعة، كما حصل في الجني الذي رآه أبو هريرة والجني الذي رآه أبي بن كعب وغيرهما من الصحابة، وكما أتى الشيطان قريشاً في صورة سراقة بن مالك لما أرادوا الخروج إلى بدر، وكما روي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.

ففي حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة، قال: قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال دعني فإني محتاج وعلى عيال لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته، فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو، قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي: قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) . وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا (أي الصحابة) أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة، قال: لا، قال: ذاك الشيطان. قال الحافظ في الفتح عند هذا الحديث: وقد وقع أيضاً لأبي بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك، ففي حديث أبي بن كعب أنه كان له جرن فيه تمر وأنه كان يتعاهده فوجده ينقص فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فقلت له أجني أم إنسي قال: بل جني، وفيه أنه قال له: بلغنا أنك تحب الصدقة وأحببنا أن نصيب من طعامك، قال: فما الذي يجيرنا منكم، قال: هذه الآية (آية الكرسي) فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: صدق الخبيث.

وفي حديث أبي أيوب: أنه كانت له سهوة أي بفتح المهملة وسكون الهاء هي الصفة فيها تمر وكانت الغول تجيء فتأخذ منه فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيتها فقل باسم الله أجيبي رسول الله فأخذها فحلفت أن لا تعود فذكر ذلك ثلاثاً فقالت إني ذاكرة لك شيئاً آية الكرسي إقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره. الحديث، وفي حديث أبي أسيد الساعدي أنه لما قطع تمر حائطه جعلها في غرفة وكانت الغول تخالفه فتسرق تمره وتفسد عليه فذكر نحو حديث أبي أيوب سواء، وقال في آخره وأدلك على آية تقرؤها في بيتك فلا يخالف إلى أهلك وتقرؤها على إنائك فلا يكشف غطاؤه وهي آية الكرسي. ثم ذكر الحافظ بعد كلام: أن من فوائد الحديث أنه قد يتصور الشيطان ببعض الصور فتمكن رؤيته، وأن قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم مخصوص بما إذا كان على صورته التي خلق عليها.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٧ رجب ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>