للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[كم من مريد للخير لن يصيبه!]

[السُّؤَالُ]

ـ[ما معنى قول عبد الله بن مسعود في الحديث: عدوا سيئاتكم، فأنا ضامن لكم ألا يضيع الله حسناتكم.؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الجملة المذكورة وردت في أثر طويل عن ابن مسعود رضي الله عنه في سنن الدارمي وبعضه في مصنف ابن أبي شيبة، وصححه الألباني في السلسلة. ومعناها -والله أعلم-: أن يحذر المسلم من السيئات والبدع والمحدثات، ويقف عندها ويحاسب نفسه عليها، ويكثر من الحسنات فإنها لن تضيع عند الله تعالى الذي أحصى كل شيء عدداً، وهو سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ولفظ الأثر المذكور كما في سنن الدارمي قال: أخبرنا الحكم بن المبارك أنا عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن؛ إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون، قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد. أو مفتتحوا باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوراج. والأثر جاء في التحذير من البدع والمحدثات، وأن العبرة في العبادة باتباع السنة، وأن البدعة الخفيفة تجر إلى البدعة الغليظة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٨ ربيع الثاني ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>