للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[التحذير من استعارة المتاع وعدم رده]

[السُّؤَالُ]

ـ[امرأة تطلب من جارتها المال فلا ترده عندما تكون ميسورة وكذلك بعض أنواع الأطعمة وتستعير بعض الأجهزة فلا تحافظ عليها وبالرغم من فقر الأولى فلا تردها أبداً استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:....... من كان له فضل ظهر فليعن من لا ظهر له........، وهي تريد الآن أن تمنع عنها المال لأن ذلك يجهدها فهل هذا جائز؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن تقديم المعونة إلى الجارة يعتبر من المعروف والإحسان الذي رغبت فيه الشريعة ومن الماعون الذي ذمت مانعيه، كما قال الله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ {الماعون:٧} ، والماعون: عارية الدلو والقدر ومتاع البيت وما يتعاطاه الناس بينهم، ولكن إذا كانت الجارة لا ترد ما استعارته فلا حرج على تلك المرأة في أن تمنع المساعدة عن جارتها إذا علمت أنها تستعير المتاع وتستقرض المال ولا ترده، والحديث المشار إليه حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، ولفظ مسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل..

وهذا الحديث ليس في إيجاب أن يدفع الإنسان ماله ومتاعه لمن علم أنه لا يرد ما استقرضه وما استعاره، وإنما فيه حث وترغيب في الصدقة وهذا على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب.

قال بدر الدين العيني في عمدة القاري حول هذا الحديث: الأمر بإنفاق الفضل أمر إرشاد وندب إلى الفضل، وقيل كان ذلك قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان وعاد ذلك فضلاً وفضيلة بعدما كان فريضة ... انتهى.

ولا يجوز لتلك الجارة أن تستعير المتاع وتستقرض المال ولا ترده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه.. رواه أحمد.

وقال عليه الصلاة والسلام في العارية: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه الأربعة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قطع يد المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده، وثبت عنه أنه قال محذراً من أخذ أموال الناس بنية عدم ردها: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله ... رواه البخاري وأحمد.

وفي لفظ عند الطبراني وفيه ضعف: ومن استدان ديناً وهو لا ينوي أن يؤديه فمات قال الله عز وجل له يوم القيامة: ظننت أني لا آخذ لعبدي حقه، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الآخر فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فيجعل عليه.

فيجب على تلك الجارة أن تتقي الله تعالى، وإذا أصرت على عدم رد ما استعارته فليرفع أمرها إلى القضاء الشرعي، وإذا أتلفت ما استعارته بتفريط منها فهي ضامنة للحديث السابق: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.

وننبه إلى أنه لا تصح إعارة الطعام، لأن الإعارة هي إباحة نفع الشيء لشخص آخر ثم يرده إلى مالكه، وهذا لا يكون إلا في الشيء الذي تبقى عينه، والطعام ليس كذلك فهو يستهلك بالأكل ولا يبقى، ولهذا نص الفقهاء على عدم صحة إجارة الطعام أو إعارته، وإنما الذي يصح في الطعام هو السلف، ولعل ذلك هو المقصود من العبارة التي في السؤال.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ شعبان ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>