للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المواظبة على طاعات معينة في أوقات معينة]

[السُّؤَالُ]

ـ[أخبرني أحد الإخوة أنه قرأ فتوى للعلامة ابن القيم بتبديع المواظبة على الدعاء بعد الصلاة ...

وأريد أن أعرف لماذا تكون المواظبة على عمل مشروع من البدع؟ ومثلها القنوت في صلاة الفجر (مع اعتقاده بغير وجوبه) ؟

ألم يكن لسلفنا الصالح من الصحابة ومن بعدهم ورد أو حزب يداومون عليه من قراءة وصلاة وذكر وغيرها؟ ألم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم من فاته حزبه أو شيء منه بأن يصله إذا ذكره؟ فلماذا لا تعد هذه الطاعات أيضاً من الورد؟ فلو قال أحد سأواظب إن شاء الله على ذكر الله بعد الفجر إلى شروق الشمس كل يوم (ليحصل أجر الحج والعمرة) هل يكون مبتدعاً؟ أو سأصلي كذا وكذا كل يوم أو كل ليلة؟

أرجو الإجابة بشيء من التفصيل وتأصيل المسألة..فإني مستفهم مستعلم ولست بمتعنت..]ـ

[الفَتْوَى]

خلاصة الفتوى:

مواظبة المسلم على بعض أوراد الذكر أو القراءة أو الصلاة ونحوها ليست ببدعة، فقد كان السلف الصالح يحرصون على ذلك، لكن الذي يوصف بالبدعة هو تحديد عدد معين من الذكر ونحوه في وقت محدد مع اعتقاد الأفضلية في ذلك الوقت بعينه، والمواظبة على القنوت في صلاة الفجر ليست من البدع.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فذكر الله تعالى من أفضل العبادات وأكثرها ثوابا عند الله تعالى حيث أمر بالإكثار منها

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا {الأحزاب:٤١،٤٢}

ووعد المكثرين من الذكر بالأجر العظيم فقال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الأحزاب:٣٥}

وللمزيد من الترغيب في ذكر الله تعالى راجع الفتوى رقم: ٣٧١٣٠.

والمواظبة على طاعة لله تعالى من ذكر أو غيره ليست ببدعة على الإطلاق، بل المطلوب من المسلم الإكثار من المواظبة على الطاعات والمسارعة إلى الخيرات أسوة واقتداء بالسلف الصالح من هذه الأمة، حيث كانوا يكثرون من مختلف الطاعات كقيام الليل وأنواع الذكر المختلفة، فمن المستحب عندهم مثلا المواظبة على عدد من الركعات في قيام الليل تكثر وتقل حسب الاستطاعة،

ففي الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: وأما محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفا من الليل وغير ذلك، فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديما وحديثا فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات، فعل كذلك، وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحيانا يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون، وكان من الصحابة من يقول: اجلسوا بنا نؤمن ساعة وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه التطوع في جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ فجلس معهم يستمع. انتهى.

وقال أيضا في هذه الفتاوى: واستحب الأئمة أن يكون للرجل عدد من الركعات يقوم بها من الليل لا يتركها، فإن نشط أطالها، وإن كسل خففها، وإذا نام عنها صلى بدلها من النهار، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام عن صلاة الليل صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة، وقال: من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل. انتهى.

وفى حاشية السندي على سنن الترمذي: من نام عن حزبه أي من نام في الليل عن ورده الحزب بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة الورد وهو ما يجعل الإنسان وظيفة له من صلاة أو قراءة أو غيرهما والحمل على الليل بقرينة النوم ويشهد له آخر الحديث وهو قوله ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر. انتهى.

وفى تحفة الأحوذى للمباركفورى: قال العراقي: وهل المراد به صلاة الليل أو قراءة القرآن في صلاة أو غير صلاة يحتمل كلا من الأمرين. انتهى.

والمواظبة على ذكر الله تعالى كل يوم بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس فضلها عظيم وليست ببدعة وراجع الفتوى رقم: ٢٧٨٥٦

لكن الذي ينطبق عليه تعريف البدعة هو التزام عبادة معينة على هيئة خاصة في وقت محدد مع اعتقاد أفضلية أدائها فى هذا الوقت بعينه من غير دليل شرعي يدل على ذلك، كما ذكر الإمام الشاطبي. وراجع الفتوى رقم: ١٧٦١٣.

وما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى من كون الدعاء بعد الفريضة بدعة مقيد بالاستمرار عليه مع استقبال القبلة وكونه بعد السلام وقبل الأذكار المأثورة، أما فعله بعد أذكار الصلاة أو الانتقال بوجهه مثلا فلا يقول بكونه بدعة وراجع الفتوى رقم: ٥٣٤٠.

والمواظبة على القنوت في صلاة الفجر ليست ببدعة كما تقدم فى الفتوى رقم: ٦٤٠٨٧.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٨ ربيع الأول ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>