للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[العلمانية ومسألة فصل الدين عن الدولة.]

[السُّؤَالُ]

ـ[ما هو حكم الدين في الشخص الذي يأخذ الدين والإسلام في السياسة مع العلم هو منافق وكذاب وإرهابي. وشكرا لكم]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده وأخبر أنه لا يقبل من أحد سواه. قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) [آل عمران١٩] وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) [آل عمران:٨٥] وشريعة الإسلام هي الشريعة المهيمنة الناسخة لما قبلها من الشرائع، وقد أمر الله أن يكون الاحتكام ورد النزاع إليها، فقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) [المائدة ٤٩] وقال (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواهم) [المائدة:٤٨] ومنع الله أهل الإسلام من اتباع شيء غير شريعته فقال (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) [الأعراف:٣] وهذا يعني أن الشريعة وافية بجميع الأحكام التي يحتاجها الناس، وأنها تنظم جميع شؤون حياتهم، وإلا لما أحال الله عليها وحرم اتباع غيرها.

والأقضية والأحكام التي يحتاجها الناس أعم من الشعائر التعبدية كالصلاة والزكاة والصوم والحج، بل تنظم أمور الحياة كلها من سياسة واقتصاد واجتماع وغير ذلك. فكيف ينكر شمول الدين للسياسة وحكمه فيها وخضوعها له؟!

ومن تأمل القرآن والسنة اللذين هما أصل هذه الشريعة رأى شمولها لجميع ما ذكر.

ففي القرآن والسنة ذكر الشعائر التعبدية من صلاة وغيرها.

وفيهما بيان طبيعة الحكم والتشريع، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، من وجوب الطاعة بالمعروف، وحق الأمة في الاختيار، وبيان حالات العزل وغير ذلك.

وفيهما بيان أحكام العلاقات الدولية من حرب وسلم وهدنة، وبيان أحكام الجهاد، ومراحله وأهدافه، وأحكام البلدان المفتوحة وطريقة التعامل مع أهلها.

وفيهما بيان أحكام الجنايات والحدود، كحد الردة والزنا والسرقة والخمر، والقصاص وغير ذلك.

وفيهما تنظيم شؤون الاقتصاد وبيان ما يحل ويحرم من المعاملات وطرق الاستثمار المباحة.

وفيهما تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، وداخل الأسرة، وبين الرجل وزوجته.

وبالجملة فما من حكم شرعي يحتاجه رجل أو امرأة أو صغير أو كبير أو حاكم أو محكوم في شأن عبادة أو معاملة داخلية أو خارجية إلا وبيانه وتفصيله موجود في هذه الشريعة بمصدريها الأساسين القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من إجماع وقياس، أو غيرهما من الأدلة المعتبرة.

ومن رأى القرآن مصدراً صالحاً لتلقي أحكام العبادات دون المعاملات أو حكام العبادات والمعاملات دون الجنايات والحدود فقد آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وهذه هي العلمنة الصريحة، والردة السافرة، كما قال الله (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون) [البقرة:] على أنه ينبغي أن نفرق بين الإسلام بشريعته الشاملة الكاملة وبين ممارسات بعض المسلمين وأخطائهم.

فإن وجد من يعتقد شمول الإسلام للعبادة والسياسة، والدين والدولة، ويدعو إلى ذلك، مع اتصافه بما ذكرت من النفاق والكذب، فهذا لا يكون مبرراً في القدح والطعن في صحة ما يدعو إليه. بل الواجب دعوته إلى أخذ الدين كله، وتحذيره مما يخالف شيئاً منه، سواء في أبواب العبادات أو المعاملات، أو السياسة... أو سائر شئونه. وقد كان بين المسلمين في العهد الأول من ينسب إلى الإسلام وهم منافقون كافرون، يتربصون بالمسلمين الدوائر، لكن وجود هؤلاء لم يكن ليبرر لأحد أن يتهجم على الإسلام ومبادئه وثوابته.

وقد علم بالاضطرار أن كل دين ونحلة ومذهب، يتفاوت أهله في صدقهم والتزامهم وحسن تطبيقهم له، ولو كانت أخطاء الأفراد موجبة للقدح فيما يحملونه من المبادئ لما صح مبدأ على وجه الأرض.

على أن الوقوع في الكذب أو أي شيء من النفاق ليس كالوقوع في الردة والطعن في الإسلام والإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر. بل من النفاق الأكبر ترك التحاكم إلى الإسلام، والتحاكم إلى غيره من الأهواء والآراء، والقوانين البشرية، كما قال الله: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً) [النساء:٦١] وقانا الله شر ذلك وأهله.

والله أعلم

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ صفر ١٤٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>