للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[القرآن العظيم كتاب هداية وإرشاد للعباد]

[السُّؤَالُ]

ـ[أشکر سعيكم لإحياء الدين ومساعدتکم للمؤمنين. أجيبوا القرآن کيف کتاب، کتاب تربوي وديني أم جامع لکل علوم اليوم وکل العلوم کلها أو جزئها موجودة في القرآن. أجيبوا هل يوجد في القرآن أسئلة اليوم من طبها والهاتفية والفيزياء والکيمياء وسائر العلوم أم لا؟ وما المعني الدقيق للآية الکريمة «تبيانا لکل شيء» والآية «ولا رطب ولايابس إلا في کتاب مبين» شکرا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد، وليس كتابا للعلوم الطبية أو الفيزيائية والکيميائية وغير ذلك من العلوم الأخرى.

وهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم. وهو شامل كامل ويصلح في كل زمان ومكان، ولا يعني ذلك أنه قد حوى جميع جزئيات الكون، بل إنه تضمن أصول كل الأشياء وكلياتها وترك أمر هذه الجزئيات للعقول، قال الإمام الغزالي: فتفكر في القرآن والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين ... وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطئ له. اتنهى من جواهر القرآن.

ويقول الشيخ سيد قطب في الظلال: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا من جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها ليعظموه بهذا ويكبروه. إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها. إن كل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة تحتوي أولا على خطأ منهجي أساسي، كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن. الأولى: الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع.

الثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان.

الثالثة: هي التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن. انتهى باختصار.

ومن هذا يتبين لك أن القرآن ليس كتابا للعلوم البحتة أو العلوم التجريبية أو غيرهما من العلوم المستحدثة في الاكتشاف، وإنما هو فوق كل ذلك وأسمى من كل ذلك.

وأما عن معنى قوله تعالى: تبيانا لکل شيء. فننقل لك ما ورد فيه في أحكام القرآن للجصاص، قال: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء، يعني به والله أعلم تبيان كل شيء من أمور الدين بالنص والدلالة. فما من حادثة جليلة ولا دقيقة إلا ولله فيها حكم قد بينه في الكتاب نصا أو دليلا اهـ. وكلام الجصاص هنا لا يريد منه أن القرآن مستقل بأحكام الشرع كلها دون السنة، فإن ذلك منزلق خطير، وقد وقع فيه بعض من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم، بل الذي يريد بيانه هو أن في القرآن ما يشمل أن ما جاء به السنة الثابتة يجب الأخذ به ومن ذلك قول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ {الحشر: ٧} وقوله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النَّجم:٣-٤} وهذا المعنى فهمه الصحابة فهما رائعا وطبقوه منهجا وواقعا ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود في حديث النامصة، وراجع الفتوى رقم: ٢٦٩٩٧.

وعن معنى قوله تعالى: وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {الأنعام: من الآية٥٩} جاء في تفسير ابن كثير: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، قال: فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ {الأنعام:٣٨} الآية. وقال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا {هود:٦} ، الآية. وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء فكيف علمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ صفر ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>