للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم الإقامة في الدول الإسلامية المطبقة للقوانين الوضعية]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فنشكركم على هذه الخدمة التي يستفيد منها الكثير من المشاركيين راجين العلي القدير أن يجعلها في ميزان حسناتكم.

السؤال نحن نعيش في دولة تطبق الدستور أي قوانيين وضعية وضعها أشخاص. ما حكم العيش في هذه الدولة التي لا تطبق الشريعة الاسلامية؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلاشك أن تنحية شريعة الله عن الحكم، وإحلال القوانين الوضعية مكانها من البلاء الذي استشرى في كثير من الدول الإسلامية، فضلاً عن الدول الكافرة - الغربية أو الشرقية - التي لا تحكم شرع الله أصلاً، كما هو معلوم ومعروف لدى الصغير والكبير، ولكن المسلم إذا كان يأمن على نفسه وماله وأهله، ويستطيع إقامة شعائر دينه في بلدة من البلدان، لم تجب عليه الهجرة حينئذ من هذه البلدة، ولو كانت لا تطبق الشريعة الإسلامية، مالم يكن الفساد منتشراً فيها، بحيث يخشى على نفسه وأولاده الوقوع فيه. والأصل في الهجرة أنها - كما قال الإمام ابن قدامة -: الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام. قال تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) الآيات، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: "لا تراءا ناراهما" رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ومعناه: لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت، وحكم الهجرة باق، لا ينقطع إلى يوم القيامة في قول عامة أهل العلم....) . ثم قال: (إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: أحدهما: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، أو لا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة، لقول الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً) [النساء: ٩٧] .

وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها إما لمرض، أو إكراه على الإقامة، أو ضعف من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه، لقول الله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً) ، ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها.

والثالث: من تستحب له، ولا تجب عليه، وهو: من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إقامة دينه، وإظهاره في دار الكفر، فتستحب له لتكثير المسلمين، ومعونتهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة، وقد كان العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم مقيماً بمكة مع إسلامه، وروي أن نعيماً النحام، حين أراد أن يهاجر جاء قومه بنو عدي، فقالوا له: أقم عندنا وأنت على دينك، ونحن نمنعك ممن يريد أذاك، واكفنا ما كنت تكفينا، وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم، فتخلف عن الهجرة مدة، ثم هاجر بعد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قومك كانوا خيراً لك من قومي لي، قومي أخرجوني وأرادوا قتلي، وقومك حفظوك ومنعوك"، فقال: يا رسول الله، بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله، وجهاد عدوه، وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله، أو نحو هذا القول) . انتهى.

انظر: المغني لابن قدامة (١٠/٥١٣) مع الشرح الكبير.

وعلى هذا، فلا تجب عليك الهجرة إلا إذا كنت لا تتمكن من إقامة شعائر دينك، أو كنت لا تأمن على نفسك وعرضك ومالك، وحيث أمكنك أن تهاجر إلى بلد آخر تتمكن فيه من المحافظة على ذلك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢١ ربيع الأول ١٤٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>