للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هل كان أبو إبراهيم عليه السلام موحدا]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل كان والد النبي إبراهيم عليه السلام موحداً؟

إن عنوان الأب كما يطلق على الأب فإنه يطلق على غيره كالعمّ أيضاً، وهذا هو منشأ الترديد في قضية النبي إبراهيم من أن أبوه هل كان آزر عابد الوثن أم لا?. فالذي يظهر من الآية: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة،١ والآيات ٤٢ من سورة مريم، و ٥٢ من سورة الأنبياء، و ٧٠ من سورة الشعراء، و ٨٥ من سورة الصافات، و ٢٦ من سورة الزخرف، و ١١٤ من سورة التوبة وغيرها، أن أبا النبي إبراهيم لم يكن موحداً؛ أما أن هذا الأب هل هو نفس الوالد أم غيره؟ وهل أن والد النبي إبراهيم هل كان موحداً أم لا؟، فلا يمكن استظهار أي واحد من هذين المطلبين من الآيات المشتملة على عنوان الأب؛ ولكن يمكن استنباط كلا المطلبين من آية أخرى متضمنة لكلمة الوالد لا كلمة الأب؛ فيمكن معرفة أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم، وأن الشخص الآخر الذي هو والد النبي إبراهيم والذي لم يذكر اسمه في القرآن، كان موحداً، لا مشركاً؛ فقد قال الله:

أ- «وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى» (٢) .

ب- «وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرأ منه» (٣) ، أي لم يستغفر له بعد ذلك.

ج- قال النبي إبراهيم عليه السلام في دعاء له في عهد الكبر وفي أواخر حياته: «ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب» (٤) .

من هنا يمكن استنباط المطلبين المشار إليهما: أحدهما هو أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم؛ لأنه تبرأ من آزر بعد أن تبين له شركه وعداؤه مع الله، ولم يستغفر له بعد ذاك، والمطلب الآخر أنه استغفر لوالديه في عهد الكبر، فيظهر أنهما كانا يستحقان الاستغفار؛ أي كانا كسائر المؤمنين من أهل الإيمان لا من أهل الشرك.

ما صحة هذه الأقوال؟

جزاكم الله خيرا]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا أن آزر هو والد إبراهيم -عليه السلام -وأنه مات على الكفر وذلك في الفتوى: ١٥٥١١.

وأما الدعاء المذكور في سورة إبراهيم لوالديه فكان قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله كما في آية سورة براءة، وهو ما رجحه المحققون من أهل التفسير، قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: وهذا دعاء من إبراهيم صلوات الله عليه لوالديه بالمغفرة، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله عز ذكره أنه لم يكن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ {التوبة: ١١٤} . ... ... وقال الألوسي في روح المعاني: رَبَّنَا اغفر لِي: أي ما فرط مني مما أعده ذنباً، وَلِوَالِدَيَّ: أي لأمي وأبي، وكانت أمه على ما روي عن الحسن مؤمنة فلا إشكال في الاستغفار لها، وأما استغفاره لأبيه فقد قيل في الاعتذارعنه إنه كان قبل أن يتبين له أنه عدو لله سبحانه، والله تعالى قد حكي ما قاله عليه السلام في أحايين مختلفة، وقيل: إنه عليه السلام نوى شرطية الإسلام والتوبة.. وقيل: أراد بوالده نوحاً عليه السلام، وقيل: أراد بوالده آدم، وبوالدته حواء عليهما السلام، وإليه ذهب بعض من قال بكفر أمه.

وأما المعنى الذي أشرت إليه فقد ذهب إليه بعض المفسرين، وله حظ من النظر، لكنه مرجوح بما ذكرنا من أقوال المحققين من أهل العلم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٣ ربيع الأول ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>