للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[جواب شبهة حول آية (لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة)]

[السُّؤَالُ]

ـ[كيف نجيب عن هذا الإشكال: إ ن آية وحرم الربا مطلقة، وجاء تقييدها بقوله تعالى: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة. فيحمل المطلق على المقيد لاتفاقهما في الحكم والسبب، كما في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم وقوله: أو دما مسفوحا فاتفقا في الحكم والسبب؟

لأنكم قد أجبتم على سؤال قد ورد مشابها لذا بأن بين الآيتين عموما وخصوصا والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص بل للعناية به.

فلم لا نقول بالإطلاق والتقييد كما سلف؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اتفق المفسرون والفقهاء على أن المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً {آل عمران:١٣٠} هو بيان الواقع لا اختصاص التحريم بحالة المضاعفة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {مضاعفة} إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون، فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه، ولذلك ذكرت حال التضعيف خاصة، وقد حرم الله جميع أنواع الربا فهذا هو مفهوم الخطاب، إذ المسكوت عنه من الربا في حكم المذكور، وأيضا فإن الربا يدخل جميع أنواعه التضعيف والزيادة على وجوه مختلفة من العين أو من التأخير ونحوه. انتهى.

وقال الشوكاني في فتح القدير: وقوله {أضعافا مضاعفة} ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال، ولكنه جيء به باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا، فإنهم كانوا يربون إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه، ثم يزيدون في أجل الدين، فكانوا يفعلون ذلك مرة بعد مرة حتى يأخذ المربي أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء. وأضعافا حال، ومضاعفة نعت له، وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام، والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ. انتهى.

وقال الألوسي في روح المعاني: وليس هذه الحال لتقييد المنهي عنه ليكون أصل الربا غير منهي، بل لمراعاة الواقع، فقد روى غير واحد أنه كان الرجل يربي إلى أجل، فإذا حل قال للمدين زدني في المال حتى أزيدك بالأجل فيفعل، وهكذا عند كل أجل فيستغرق بالشيء ماله بالكلية فنهوا عن ذلك. انتهى.

ولا يصح القول حمل المطلق على المقيد كما ذكرت في سؤالك، لأنه يشترط لحمل المطلق على المقيد، كما ذكر الزركشي في البحر المحيط أن يكون في باب الأوامر والإثبات، وأما في جانب النفي والنهي فلا، فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النهي، وهو غير سائغ. كما يشترط أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد.

كما لا يصح الاحتجاج هنا بمفهوم المخالفة، لأن ذكر حالة التضعيف في الآية لبيان الواقع فلا مفهوم له.

قال ابن القيم في حاشية سنن أبي داود: القائلين بالمفهوم إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى التخصيص بالمنطوق فلو ظهر سبب يقتضي التخصيص به لم يكن المفهوم معتبرا كقوله: {وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} (فذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه إذ هو الحامل لهم على قتلهم لا لاختصاص الحكم به، ونظيره {لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} ونظائره كثيرة. انتهى.

وذكر الزركشي في البحر المحيط أن من شروط مفهوم المخالفة أن لا يكون المنطوق خرج لسؤال عن حكم أحد الصنفين، ولا حادثة خاصة بالمذكور، قال: ومن أمثلته قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} فلا مفهوم للأضعاف إلا عن النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول له: إما أن تعطي وإما أن تربي، فيضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة، فنزلت الآية على ذلك. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ صفر ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>