للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض]

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد أن أسألكم حول تفسير قوله تعالى عندما قال عن خلود المؤمنين في الجنة قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، وقال أيضا عن الكفار في النار: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض.

ومعروف أن الخلود أبدي، فكيف نفسر قوله: ما دامت السماوات والأرض. مع أنه معروف أن السماوات والأرض تتدمران يوم القيامة ولا يبقى لهما أثر حيث يقول الله في موضع آخر: والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، فكيف يرهن الله بقاء المؤمنين في الجنة وبقاء الكافرين في النار يرهنه بوجود السماوات والأرض مع أنني أعرف أن السماوات والأرض تنتهيان يوم القيامة، ثم أقول ألا يتنافى مفهوم الخلود الأبدي مع كون الخلود مرهونا ببقاء مخلوق مهما كان فهل هناك تناقض بين قول الله مرات عديدة في القرآن: خالدين فيها أبدا. وهو خلود أبدي وبين قوله خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض. حيث إنه رهن هنا الخلود ببقاء مخلوق، وهذا المخلوق زائل مهما كان فهل هذه الآية تنفي مفهوم الخلود الأبدي في الآيات الأخرى. أفيدوني أفادكم الله؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس في كلام الله تعالى تناقض ولا تضارب حاشا لله أن يتناقض كلامه وهو العليم الخبير الحكيم، ومن شك في ذلك وتخيل وجود تناقض في كلام الله تعالى فهو من الكافرين.

والخلود المذكور في الفريقين أبدي بلا شك ولا ريب دلت على ذلك نصوص القرآن الصريحة الكثيرة، وإنما خاطب الله العرب في هذا الموضع بما هو معروف في لغتهم من التعبير عن الشيء المؤبد الباقي بشبيه دوامه بدوام السماء والأرض ونحو هذا مما يريدون به طولا من غير نهاية.

قال الطبري في تفسيره: ويعني بقوله: ما دامت السموات والأرض: أبدا: وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، بمعنى أنه دائم أبدًا، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف الليل والنهار. وما سمر ابنا سَمِير، وما لألأت العُفْرُ بأذنابها، يعنون بذلك كله: أبدا. فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفون به بينهم فقال: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، والمعنى في ذلك: خالدين فيها أبدًا. انتهى.

وقال البيضاوي في تفسيره: خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامهما، فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم وانقطاع دوامهما. بل التعبير عن التأبيد والمبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل، ولو كان للارتباط لم يلزم أيضاً من زوال السموات والأرض زوال عذابهم، ولا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم، لأن دوامهما كالملزوم لدوامه، وقد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٤ رمضان ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>