للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفرق بين لفظ الجلالة \"الله\" وبين الأسماء الحسنى]

[السُّؤَالُ]

ـ[١-ما هو الفرق بين لفظ الجلالة \\\"الله\\\" وأسمائه الحسنى، ولماذا في الشهادتين نقول \\\" الله\\\" ولا نقول اسما من أسماء الله الحسنى؟

٢-هل إذا آمنت أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب يكون إيماني صحيحا؟

لقد أخذت ما قلتم في إحدى الفتاوى عن الشبهات حول العقيدة بما يتعلق بسؤالي الثاني، نقاطا وأريد الشرح لأني أوسوس كثيرا،، هذه هي النقاط: \\\"١- ... أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.

٢- ... أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلا وأبدا، ومنها كونه خالقا لما يشاء متى شاء، فعال لما يريد، فلم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله.

٣- ... أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب كائن بعد أن لم يكن. وبعد هذا إن تمكن طالب العلم من فهم كلام شيخ الإسلام وأدلته التي رد بها على الفلاسفة الدهرية

أرجو الإجابة في أسرع وقت ممكن]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفرق بين لفظ الجلالة "الله" وبين الأسماء الحسنى الباقية، هو أن لفظ الجلالة "الله" هو علم على الذات، فهو الدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث، المطابقة والتضمن واللزوم، فإنه دال على الهيئة المتضمنة لثبوت صفات الإلهية مع نفي أضدادها عنه، وصفات الإلهية هي صفات الكمال المنزهة عن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله سبحانه وتعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى {الأعراف ١٨٠} ويقال الرحمن الرحيم والقدوس والسلام والعزيز كلها من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز

فعلم أن علم الذات "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها، وهي تبيين وتفصيل لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله.

كما أن لفظ الجلالة يدل على كونه سبحانه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما، وقد اختص الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم وصرف عنه عباده فلم يتسم به أحد من خلقه.

قال في الحق الواضح المبين: وصفات الجلال والجمال أخص باسم الله وأصله الإله. قال تعالى: إِنَّما اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ولد

وبهذا تتبين خصوصية هذا الاسم وفضله وكونه لايؤتى في شهادة الإسلام بغيره، لأن معنى النطق بالشهادة الإقرار بألوهيته والعبودية له وأنه لا معبود بحق سواه, وليس في أسمائه الحسنى اسم يتضمن ذلك المعنى غير هذا الاسم، وهذا الأمر توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد والرأي. قال تعالى. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ {آل عمران: ١٨} وقال صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله.... متفق عليه.

وأما هل يكون إيمانك صحيحا إذا اعقتدت أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب؟ فالجواب عنه أنه لا بد للمؤمن أن يعتقد ذلك مع اعتقاد توحيد الله بالعبودية ويعمل بمقتضاه فلا يصرف شيئا من العبادة لغيره، فذلك من حقه الخالص له، كما في حديث معاذ لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت لا، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا ي شركوا به شيئا. متفق عليه.

لا كما كان يفعل أهل الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون ذلك ويؤمنون بربوبية الله، وأنه الخالق كما قال: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {الزخرف: ٨٧} ولكنهم لا يصرفون العبادة له وحده، وقالوا: أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ {ص ٥} فلم يعملوا بمقتضى ما يعتقدونه لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق المربي لجميع عباده فهو المستحق للعبادة، وغيره من المخلوقين الذين لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون، ولا يملكن لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. من كانت تلك صفاته لا يستحق أن تصرف له العبادة وإنما تصرف للخالق البارئ مالك النفع والضر سبحانه، إذا اعتقد المرء ذلك وعمل بمقتضاه وآمن بأركان الإيمان كلها كان إيمانه صحيحا لأن الإيمان ليس مجرد قول باللسان وإنما هو قول وفعل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. قال البخاري: باب الإيمان وهو قول وفعل ويزيد وينقص.

وأما النقاط التي سألت عنها وهي كونه سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه متصف بصفات الكمال أزلا وأبدا، وأنه سبحانه فعال لما يريد، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. ولم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله، ومنها كونه الرب الخالق المدبر لشؤون عباده وما سواه مخلوق مربوب كائن بعد أن لم يكن.

هذه النقاط كما ذكرت في الفتوى رقم: ٦٣١١٧ هي إجمال لما ينبغي للمسلم أن يقف عنده ولا يخوض فيما وراءه إلا إذا كان طالب علم متمكن يحتاج إلى مقارعة أهل الباطل ومعرفة شبههم وكيفية الرد عليهم، فمن كان كذلك فقد نصحناه بالاطلاع على كلام شيخ الإسلام لأنه ممن تصدى لأهل الباطل ودمغهم بحججه الساطعة وأدلته القاطعة.

وأما المسلم العادي فحسبه ما ذكرنا أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال والجلال منزه عن صفات النقص ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. يتلو كتاب الله ويقرأ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كما كان السلف الصالح يفعلون، فذلك هو السبيل الأسلم والنهج الأقوم للمسلم، لأن الخوض في ذلك بالعقل لا يفضي إلا إلى الشك والحيرة والتردد إذا لا مجال للعقل في هذا الأمر، ومن ذلك الباب يدخل الشيطان فيقذف الشبه والوساوس ويردي المرء في هاوية سحيقة، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما سألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه! قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم، قال أبو حاتم رضي الله عنه إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها من كيفية الباري جل وعلا أو ما يشبه هذه فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح وترك العزم على شيء منها كان رده إياها من الإيمان بل هو من صريح الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان.

قال ابن حبان في صحيحه: باب ذكر الإباحة للمرء أن يعرض بقلبه شيء من وساوس الشيطان بعد أن يردها من غير اعقتاد القلب على ما وسوس إليه الشيطان.

فينبغي للموسوس أن يصرف عنه ذلك ولا يتمادى مع وسوسة الشيطان ومحاجته كما في نوازل العلوي، ونظمه ابن مايأبى بقوله:

وما به يوسوس الشيطان * والقلب يأباه هو الإيمان

فلا تحاجج عنده اللعينا * فإنه يزيده تمكينا

فلتدعي عنك الوساوس ولتصرفي النظر عن الخوض في مثل هذه الأمور، وحسبك أن تعلمي أنه سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٢ جمادي الثانية ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>