للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير الآيات من (٥٢ إلى ٦٣) من سورة آل عمران]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل تفضلتم بشرح وتفسير الآيات من (٥٢ إلى ٦٣) من سورة آل عمران؟ وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الآيات المشار إليها جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن نبي الله عيسى عليه السلام ورسالته إلى قومه بني إسرائيل وما لقي منهم من التكذيب ... قال تعالى إخباراً عنه: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس، قَالَ مَنْ أَنصَارِي أعواني إِلَى اللهِ لأنصر دينه، قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ أعوان دينه، وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا، والحواري مشتق من الحور وهو البياض الخالص، وقيل: كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها، آمَنَّا صدقنا بِاللهِ وَاشْهَدْ يا عيسى بِأَنَّا مُسْلِمُونَ* رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ من الإنجيل وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ عيسى فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ لك بالواحدنية، ولرسلك بالصدق والرسالة، وَمَكَرُواْ أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكلوا به من يقتله غيلة وَمَكَرَ اللهُ بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء، والمكر من حيث إنه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والازدواج والمشاكلة ... وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ أقواهم مكراً وأقدرهم على إيصال الضرر من حيث لا يظن أحد أنه يقع.

اذكر إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ قابضك وَرَافِعُكَ إِلَيَّ من الدنيا من غير موت وَمُطَهِّرُكَ مبعدك مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ صدقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والبرهان والسيف ... إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من أمر الدين، فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا بالقتل والسبي والجزية وَالآخِرَةِ بالنار وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ مانعين منه. وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ بنعيم الجنة وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين أي يعاقبهم.

روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة. وروى الشيخان حديث: أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية. وفي حديث مسلم: أنه يمكث سبع سنين. وفي حديث عن أبي داود الطيالسي: أربعين سنة، ويتوفى ويصلى عليه. فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده (ذلك) المذكور من أمر عيسى (نتلوه) نقصه عليك يا محمد من الآيات أي: العلامات الدالة على رسالتك لأنها أخبار من أمور لم يشاهدها ولم يقرأها من كتاب، والذكر الحكيم المحكم أي القرآن، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى شأنه الغريب عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ كشأنه في خلقه من غير أب، وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس خَلَقَهُ أي آدم مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن بشرا فَيَكُونُ أي فكان، وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان. الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ أي الذي أنبأتك من خبر عيسى هو الحق من ربك فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين. والخطاب للنبي عليه السلام والمراد به نهي غيره عن الشك فيه، فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ جادلك من النصارى في أمر عيسى مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ بأمره فَقُلْ لهم تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ فنجمعهم ثُمَّ نَبْتَهِلْ نتضرع في الدعاء فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى، وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه فيه، فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك، فقال ذوو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا، فوادعوا الرجل وانصرفوا، فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمنوا. فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية. وعن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلاً. وروي: لو خرجوا لاحترقوا. إِنَّ هَذَا المذكور لَهُوَ الْقَصَصُ الخبر الْحَقُّ الذي لا شك فيه وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ في صنعه. فَإِن تَوَلَّوْاْ أعرضوا عن الإيمان فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ، قال ابن كثير: من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد والله عليم به، وسيجزيه على ذلك شر الجزاء وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته. انتهى ملخصاً من عدة تفاسير.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ جمادي الأولى ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>