للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[توضيح حول آيتين من كتاب الله تعالى]

[السُّؤَالُ]

ـ[يا شيخ وردت في القرآن الآية: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ. والسؤال: عبدنا نحن أم عبده هو، وإذا كان عبده هو لماذا لم تكن الآية، وإذ كنتم في شك مما نزل على عبده فأتوا بسورة من مثله، ولماذا نزلت الآية: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا. يعني الآية تشير إلى تغير في كلمات الله أثناء نزول الوحي على رسول الله والأمر إلى الذي غير الكلمات.. والله أعلم؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن نص الآية الأولى هو: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {البقرة:٢٣} ، وهذا الكلام كلام الله والعبد عبد الله أضافه إليه إضافة تشريف، والخطاب القرآني يأتي أحياناً بصيغة التكلم فيخاطب الله تعالى من توجه إليه الخطاب كما في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:٩} ، ويعبر الله عن نفسه بضمير الجمع من باب التعظيم الذي درج العرب على استعماله في خطابهم، قال صاحب المعجم الوسيط: نحن ضمير يعبر به الاثنان أو الجمع المخبرون عن أنفسهم، وقد يعبر به الواحد عند إرادة التعظيم. انتهى.

وأما الآية الثانية فنصها: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا {الكهف:٢٧} ، وليس في هذه الآية ما يفيد التغيير والتبديل في كلام الله بل إنها جاءت فيها لا التنصيصية الدالة على نفي جنس جميع أنواع التبديل، وقد نزلت رداً على من قال من الكفار أئت بقرآن غير هذا أو بدله، قال البيضاوي: واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك من القرآن، ولا تسمع لقولهم أئت بقرآن غير هذا أو بدله، لا مبدل لكلماته: لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره. ولن تجد من دونه ملتحداً ملتجأ عليه إن هممت به. انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيرها: يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس لا مبدل لكلماته أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل.

وقال الشنقيطي في الأضواء: قوله تعالى لا مبدل لكلماته. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لا مبدل لكلماته، أي لأن أخبارها صدق، وأحكامها عدل، فلا يقدر أحد أن يبدل صدقها كذباً، ولا أن يبدل عدلها جوراً، وهذا الذي ذكره هنا جاء مبينا في مواضع أخر، كقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَاّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فقوله: صدقا، يعني في الإخبار. وقوله: عدلاً، أي في الأحكام، وكقوله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ. وقد بين تعالى في مواضع آخر أنه هو يبدل ما شاء من الآيات مكان ما شاء منها، كقوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ. وقوله: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا. وقوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٣ ربيع الأول ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>