للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير قوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ... )]

[السُّؤَالُ]

ـ[منذ حوالي سنة وأنا أطلع على موقعكم هذا، وقد استفدت منه الكثير والكثير جزاكم الله كل الخير، سؤالي هو: يقول الله تبارك وتعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللا مبينا. سورة الأحزاب، فأفيدوني فى المزيد لتفسير هذه الآية الكريمة؟ وبارك الله فيكم وفى عملكم هذا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمما يعين على فهم هذه الآية معرفة سبب نزولها الذي نبه عليه بعض علماء التفسير، ففي تفسير ابن كثير: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة رضي الله عنه فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسباً، وكانت امرأة فيها حدة، فأنزل الله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ... الآية كلها، وهكذا قال مجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان، أنها نزلت في زينب بنت جحش رضي الله عنها حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، فامتنعت ثم أجابت. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها وكانت أول من هاجر من النساء، يعني بعد صلح الحديبية، فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قبلت، فزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه بعد فراقه زينب، فسخطت هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده، قال: فنزل القرآن: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.. إلى آخر الآية، قال: وجاء أمر أجمع من هذا: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قال: فذاك خاص وهذا أجمع. انتهى.

وعن تفسير الآية، قال الشوكاني في فتح القدير: ومعنى الآية: أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمراً أن يختار من أمر نفسه ما شاء، بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ما قضاه الله واختاره له ... إلى أن قال: والخيرة مصدر بمعنى الاختيار. وقرأ ابن السميفع الخيرة بسكون التحتية، والباقون بتحريكها، ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره، فقال: ومن يعص الله ورسوله في أمر من الأمور، ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء فقد ضل ضلالا مبيناً. ضل عن طريق الحق ضلالاً ظاهراً واضحاً لا يخفى. انتهى.

وقال البغوي في تفسيره: وما كان لمؤمن، يعني: عبد الله بن جحش، ولا مؤمنة يعني: أخته زينب، إذا قضى الله ورسوله أمراً، أي: إذا أراد الله ورسوله أمراً وهو نكاح زينب لزيد، أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، قرأ أهل الكوفة: أن يكون بالياء، للحائل بين التأنيث والفعل، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الخيرة من أمرهم، والخيرة: الاختيار.

والمعنى: أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً، أخطأ خطأ ظاهراً، فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٣ ربيع الأول ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>