للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء..) وهل نسخت القنوت]

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت بأن الآية القرآنية: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح واحتج بحديث ابن عمرأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الفجربعد رفع رأسه من الركوع فقال ربنا ولك الحمد في الآخرة ثم قال اللهم العن فلانا وفلانا فأنزل الله: ليس لك من الأمر شيء, وسمعت أيضا بأن الدعاء اللهم عليك بأبي جهل بن هشام الى آخره منسوخ, فهل صحيح أن هذا الدعاء والدعاء الذى قبله منسوخ, وما سبب نزول ليس لك من الأمر شيء إلى آخره؟

جزاكم الله خير الجزاء

أخوكم

محمد حسين]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال الإمام محمد بن جرير الطبري عند تفسيره لتلك الآية: وتأويل قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، ليس إليك يا محمد من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري وتنتهي فيهم إلى طاعتي وإنما أمرهم إلي والقضاء فيهم بيدي دون غيري أقضي فيهم وأحكم بالذي أشاء من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم المبيرة وإما في أجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي كما حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم أو أتوب عليهم برحمتي فإن شئت فعلت أو أعذبهم بذنوبهم {فإنهم ظالمون} أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي وذكر أن الله عزوجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لما أصابه بأحد ما أصابه من المشركين قال كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا حميد قال قال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته وشج فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وساق الطبري جملة من الآثار بسنده تعاضد كونها نزلت إثر أحد ثم قال: وقال آخرون بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعا على قوم فأنزل الله عزوجل ليس لك من الأمر شيء. وأما القول بأنها ناسخة للقنوت فقد أجاب عنه القرطبي في تفسيره فقال: زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح واحتج بحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عيله وسلم يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة - ثم قال اللهم العن فلانا فلانا فأنزل الله عزوجل: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ الآية أخرجه البخاري وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أتم منه وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى نبيه على أن الأمر ليس إليه وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء والتقدير ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السماوات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء فلا نسخ والله أعلم.

وخلاصة القول أن حكم القنوت باق وتفصيل ذلك في الفتويين: ٢٢١٥١ / ٥٣٦١٣ سواء قلنا بأن تلك الآية نزلت إثر أحد أو نزلت في قنوته صلى الله عليه وسلم ودعائه على نفر من قريش فهي غير ناسخة كما قال القرطبي وغيره، وللاستزادة انظر تفسير القرطبي عند تلك الآية وغيره من المفسرين.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٢ جمادي الأولى ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>