للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكمة التقديم والتأخير في ألفاظ الآية ٦٢ من البقرة و٦٩ من المائدة]

[السُّؤَالُ]

ـ[أرجو توضيح الفرق في المعنى بين الآية ٦٢ سورة البقرة والآية ٦٩ سورة المائدة. وما هي الحكمة الإلهية في الاختلاف اللفظي واختلاف ترتيب الكلمات؟ جزاكم الله خير الجزاء.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا أن بينا سبب الرفع في لفظ (الصابئون) في الآية ٦٩ سورة المائدة، في الفتوى رقم: ٢٧١٥ فراجعها.

وأما التقديم والتأخير في الألفاظ فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سبب ذلك، فننقل لك كلامه وقد تضمن أيضا سبب الرفع والنصب في كلمة الصابئين وفوائد أخرى، قال رحمه الله:

هذه الرسل وأممهم من نوح إلى الحواريين كلهم على الإسلام، وكذلك كل من كان قبلنا من أهل السعادة فهو مؤمن. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة: ٦٢} وفي الآية الأخرى: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى {المائدة: ٦٩} فإن النصارى أفضل من الصابئين، فلما قدموا عليهم نصب لفظ الصابئون، ولكن الصابئون أقدم في الزمان فقدموا هاهنا لتقدم زمنهم، ورفع اللفظ ليكون ذلك عطفا على المحل, فإن المعطوف على المحل مرتبته التأخير ليشعر أنهم مؤخرون في المرتبة وإن قدموا في الزمن واللفظ.

وهو سبحانه ذكر في سورة الحج ملل العالم فقال: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {الحج: ١٧} فأخبر أنه يفصل بين أهل الملل أجمعين ولم يذكرهم هنا ليتبين المحمود منهم في الآخرة، وفي سورة البقرة والمائدة ذكر أربعة أصناف: المسلمين والذين هادوا والنصارى والصابئين؛ ثم قال: مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة: ٦٢} فدل على أن هذه الأربعة منهم من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، وأولئك هم السعداء في الآخرة بخلاف من لم يكن من هؤلاء مؤمنا بالله واليوم الآخر.

فتأمل هذا الكلام المتين من هذا العالم الجليل فإنه غاية في الجودة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٩ ذو الحجة ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>