للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الحكمة في أمر مريم عليها السلام بعدم الكلام]

[السُّؤَالُ]

ـ[من فضلك ساعدني فإن هناك فكرة تسيطر علي وهي في سورة مريم قد قال لله تعالى لمريم أنها لا يجب عليها أن تكلم أي إنسي أريد أن أعرف لماذا قال لها (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) يعني هي يجب عليها أن تمتنع عن الكلام وفي نفس الوقت يقول لهم إنها لن تكلم أحدا؟

معذرة على هذا السؤال وأرجو تفسير الآية.

وشكرا لكم كثيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من الحكمة في أمر مريم عليها السلام بعدم الكلام، إبداء عذرها وبراءتها عندما تشير إلى عيسى عليه السلام فينطق في المهد ويبين حاله للناس.

قال ابن كثير في التفسير: وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله بن مسعود: كلم الناس وسلم عليهم فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها أنها حملت من غير زوج يعني بذلك مريم عليها السلام ليكون عذرا لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير. اهـ

وقد اختلف أهل العلم هل كانت مريم مأمورة بأن تقول: إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً؟ هل أمرت أن تقول ذلك باللسان أو بالإشارة، ومن المعلوم في اللغة أن التلفظ بالمراد والإشارة إليه يطلق على كل منهما كلام.

وقد ذهب الجمهور إلى أنها قالت ذلك بلسانها، كما قال القرطبي، ورجح ابن كثير إنه كان بالإشارة، وقد بسط الشيخ الأمين الشنقيطي القول في المسألة وذكر أدلتها وكلام العلماء فيها، فذكر عدة أحاديث من صحيح البخاري تفيد إنزال الإشارة المفهمة منزلة الكلام، وذكر خلاف العلماء في المسألة، ورجح في الأخير قيام الإشارة الدالة على المعنى دلالة واضحة مقام النطق.

ثم إننا ننبه إلى أن مريم أمرت بأمرين لا تناقض بينهما، فقد أمرت عندما ترى أحدا من الناس أن تخبر بنذرها الصمت عن الكلام مع الناس هذا اليوم. فهي قد أمرت بالإخبار أولا بعدم الكلام، وبالالتزام بعدم الكلام معهم بعدما أخبرتهم ثانياً. وعليه، فلا تناقض في الموضوع.

قال القرطبي في التفسير: وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٠ جمادي الثانية ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>