للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بيت العنكبوت أوهن البيوت حسا ومعنى وإن ثبت خيوطه أقوى من الفولاذ]

[السُّؤَالُ]

ـ[الآية القرآنيه تقول " إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " لكن لقد قرأت أن العلماء اكتشفوا أن خيطا من خيوط العنكبوت أقوى من خيط فولاذ بنفس الغلظ فما هو المعنى؟ ولكم جزيل الشكر.......]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فيقول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ* إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت]

وهذا تشبيه تمثيلي بليغ، شبه فيه المشركون في اعتمادهم على آلهتهم واغترارهم بها، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتاً تحسب أنها تعتصم به من أن يعتدى عليها فإذا هو لا يصمد ولا يثبت لأضعف تحريك، فيسقط ويتمزق.

قال ابن عاشور رحمه الله: وهذه الهيئة المشبه بها مع الهيئة المشبهة قابلة لتفريق التشبيه على أجزائها، فالمشركون أشبهوا العنكبوت في الغرور بما أعدوه، وأولياؤهم أشبهوا ببيت العنكبوت في عدم الغناء عمن اتخذوها وقت الحاجة إليها، وتزول بأقل تحريك، وأقصى ما ينتفعون به منها نفع ضعيف وهو السكن فيها وتوهم أن تدفع عنهم كما ينتفع المشركون بأوهامهم في أصنامهم، وهو تمثيل بديع من مبتكرات القرآن كما سيأتي قريباً عند قوله: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [العنكبوت:٤٣] . انتهى

وأشار الزركشي رحمه الله: إلى أن هذا المعنى أكده الله من ستة: أوجه أدخل إنَّ وبنى أفعل التفضيل، وبناه من الوهن، وأضافه إلى الجمع، وعرف الجمع باللام، وأتى في خبر إنَّ باللام.

قال هذا في معرض بيانه لحرمة أمثال القرآن وعدم تعديها، منكراً على الحريري إذ قال في مقامته الخامسة عشرة: فأدخلني بيتاً أحرج من التابوت، وأوهى من بيت العنكبوت.

قال الزركشي: فأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه، ثم ساقها، وقال: وكان اللائق بالحريري ألا يتجاوز هذه المبالغة، وما بعد تمثيل الله تمثيل، وقول الله أقوم قيل، وأوضح سبيل. انتهى

وإنما سقنا كلامه هنا للتنبيه على خطأ من يبالغ في وصف شيء بقوله: أوهن من بيت العنكبوت، والواقع أن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت كما قال الله.

وقد بان من هذا أن بيت العنكبوت هو الموصوف بالوهن، والضعف، وهذا مشاهد معلوم لا يكابر فيه أحد، فإنه يزول بنفخة هواء، ولا علاقة لهذا يكون خيوطه المفردة قوية أو ضعيفة، وإنما المراد أن هيئته المجتمعة ضعيفة واهنه لا أوهن منها.

فلو ثبت أن خيط العنكبوت أقوى من خيط الفولاذ لم يكن في هذا معارضة لما ذكره رب العالمين سبحانه.

ونشير هنا إلى أن بعض الباحثين توصل إلى أن أنثى العنكبوت هي التي تغزل البيت، وترغب الذكر بالدخول إليه، وتقوم أمامه بحركات مغرية، وتسمعه بعض الألحان الطنانة، فيأوي إلى بيتها، فإذا لقحها، افترسته وأكلته، ثم تأكل أولادها من بعد، ويأكل أولادها بعضهم بعضاً، فضعف البيت معنوي أيضاً، لضعف علاقته الداخلية، وصدق الله: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [العنكبوت:٤١] .

فهو بيت واهن حسياً ومعنوياً.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٩ رمضان ١٤٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>