للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أسماء الله الحسنى تقتضي آثارها]

[السُّؤَالُ]

ـ[لي خاطرة لا أعلم صحتها ولكنني أشعر بها من عدد من النصوص والآيات والغريب أنني أشعر فيها بأنها أساسية في عقيدة المسلم بل إنني أرى أن هذه الخاطرة هي المحور الأساسي الذي تدور حوله الحياة كلها ومع هذا لم أقرأها بصورة واضحة من قبل لذلك أحببت أن أستشير سيادتك في صحتها وهل سبق أن ذكرت في كتاب قرأته من قبل أو هل لديك شاهد وأدلة على صحتها, والخاطرة هي التالي: أن الله خلق الكون كله لكي يثبت أسماءه الحسنى: فخلق رجلا عزيزا لكي يثبت اسم المعز ورجلا ذليلا لكي يثبت اسم المذل ورجل مريضاً ليشفيه فيكون سبحانه هو الشافي ورجل مذنب لكي يتوب ويستغفر الله فيكون الله سبحانه هو التواب الغفور ويحدث زلازال وبراكين فيكون الله هو المنتقم الجبار ويميت رجلا ويحيي رجلا فيكون الله هو المحيي المميت وعلى هذا فإن كل ما في الكون من رخاء وفقر, من يسر وضيق هو كله لإثبات أسماء الله جل جلاله فما رأيكم في هذا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله تعالى ليس بحاجة إلى الخلق لكي يثبت أسماءه الحسنى وصفاته العلا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ولكنه أثبت لنفسه ما يستحق من صفات الكمال، ولم يستفد كمالا بأفعاله، بل له الكمال التام المطلق، وفعاله عن كماله بخلاف المخلوق الذي كماله عن فعاله. وأسماؤه الحسنى تقتضى آثارها وتستلزمها، فإن من أسمائه: الخلاق المقتضي لوجود الخلق. ومن أسمائه: الرزاق المقتضي لوجود الرزق. وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله فقال في كتابه مفتاح دار السعادة: فصل: ومنها أنه سبحانه له الأسماء الحسنى، ولكل اسم من أسمائه أثر من الآثار في الخلق والأمر لا بد من ترتبه عليه، كترتب المرزوق والرزق على الرازق، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الراحم، وترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير، ونظائر ذلك في جميع الأسماء. فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لم يظهر أثر أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب وما جرى مجراها، وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا، والبارئ يقتضي مبروا، والمصور يقتضي مصورا ولابد.... انتهى. فالله تعالى يعرف نفسه لعباده بأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله، وأنه واحد لا شريك له وما يتبع ذلك. قال العلامة السعدي في تفسيره عند قوله تعالى: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا أعلم بالظواهر والسرائر، وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذه الخليقة أضعاف أضعاف مافي ضمن ذلك من الشر، فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ولتظهر آياته للخلق ... اهـ. ولمزيد فائدة راجع الفتويين: ٣١٩٧٠، ٢٧٠١٨.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ محرم ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>