للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخالفة للأحاديث الصحيحة، فلا طعن بها على الأئمة الثلاثة، بل ولا على المشايخ أيضا، فإنهم لم يقرروها مع علمهم بكونها مخالفة للأحاديث؛ إذ لم يكونوا متلاعبين في الدين، بل من كبراء المسلمين، بهم وصل ما وصل إلينا من فروع الدين، بل لم ييلغهم تلك الأحاديث، ولو بلغتهم لم يقرروا على خلافهم، فهم في ذلك معذورون ومأجورون.

والحاصل: أن المسائل المنقولة عن أئمتنا الثلاثة قلما يوجد منها ما لم يكن له أصل شرعي أصلًا، أو يكون مخالفًا للأخبار الصحيحة الصريحة، وما وجد عنهم على سبيل الندرة كذلك فالعذر عنهم العذر، فاحفظ هذا، ولا تكن من المتعسفين.

واعلم أنه قد كثر النقل عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه، بل وعن جميع الأئمة في الاهتداء إلى ترك آرائهم إذا وجد نص صحيح صريح مخالف لأقوالهم، كما ذكره الخطب البغدادي، والسيوطي في " تبييض الصحيفة بمناقب الإمام أبي حنيفة "، وعبد الوهاب الشعراني في " الميزان " وغيرهم.

فبناء على هذا أمكن لنا أن نورد تقسيمًا آخر للمسائل فنقول: الفروع المذكورة في الكتب على طبقات:

الأولى: المسائل الموافقة للأصول الشرعية المنصوصة في الآيات، أو السنن النبوية، أو الموافقة لإجماع الأمة، أو قياسات أئمة الملة، من غير أن يظهر على خلافها نص شرعي جلي أو خفي.

والثانية: المسائل التي دخلت في أصول شرعية، ودلت عليها بعض آيات أو أحاديث نبوية، مع وررد بعض آيات دالة على عكسه، وأحاديث ناصة على نقضه، لكن دخولها في الأصول من طريق أصح وأقوى، وما يخالفها وروده من سبيل أضعف وأخفى، وحكم هذين القسمين هو القبول كما دل عليه المعقول والمنقول.

والثالثة: التي دخلت في أصول شرعية مع ورود ما يخالفها بطرق صحيحة قوية، والحكم فيه لمن أوتي العلم والحكمة اختيار الأرجح بعد وسعة النظر ودقة الفكرة، ومن لم يتيسر له ذلك فهو مجاز ما هنالك.

والرابعة: التي لم يستخرج إلا من القياس، وخالفه دليل فوقه غير قابل للاندراس،

وحكمه ترك الأدنى واختيار الأعلى، وهو عين التقليد في صورة ترك التقليد.

والخامسة: التي لم يدل عليها دليل شرعي، لا كتاب، ولا حديث، ولا إجماع،

<<  <   >  >>