للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقه على الانتفاء الأصلي، فلا يعدل عنه إلا بمُوجِب، ولم يوجد..

اهـ.

ورده المحققون منا: بأننا لا نسلِّم أن الأصل في القراءة الإخفاء، وأن الجهر عارض بدليل، فإن الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في الصلوات كلها، فشرع الكفار يغلِّطونه

كما يشير إليه قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) .

فأخفى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في الأوقات الثلاثة، فإنهم كانوا فيها غُيَّبًا، أو نائمين، أو مشغولين بالطعام فاستقر الأمر على ذلك.

فهذا يدل على أن الأصل فيها الجهر، وأن الإخفاء عارضٌ، على أننا لا نسلم انتفاء المدرك الشرعي، بل هو موجود، وهو: القياس على أدائها بعد الوقت بأذان وإقامة.

بل أولى، لأن فيهما الإعلام بدخول الوقت، والشروع في الصلاة، ومع ذلك قد سُنَّا في القضاء، وإن لم يكن من يُعْلِمْه بدخول الوقت والشروع في الصلاة، بأن كان المصلى وحده، فعُلِم أن المقصود مراعاة هيئة الجماعة في القضاء، كما كان يراعيها في الأداء.

وقد روى أن من صلى على هيئة الجماعة صَلَّت بصلاته صفوف من الملائكة، وفي موطأ مالك عن زيد بن أسلم: " إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو نسيها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ".

فإن قلتَ: إن سببي الجهر اللذين ذكرهما صاحب الهداية ثابتان بالإجماع، وقد انتفى كل منهما بعد خروج الوقت، فكيف ييقى حكم الجهر بعد انتفاء سببه، وأما ما ذكرت من موافقة القضاء للأداء، فلم ينعقد على سببيته للجهر إجماع، ولم يأت به نص: فجعْله سببا يكون إثباتًا للسبب ابتداء بالرأي، وهو لا يجوز.

قلنا: ما ذكرته من انتفاء السببين مُسَلَّم، لكن لا نسلِّم انتفاء الحكم لانتفائهما؟

لأن الحكم إنما ينتفي بانتفائهما إذا انعقد الإجماع على حصر السببية فيهما، وليس كذلك، وقد تَقَرَّر في الأصول أن ما ثبت بالإجماع مثل الثابت بالنص، فيكون معقولًا ومعللًا كما هو الأصل في الأحكام الشرعية، فيجوز إلحاق غيره به لوجود علة الحكم فيه، ولذلك قال بعض الفضلاء: فظهر أن ما ذكره صاحب الهداية ليس بصحيح دراية أيضًا.

ومثل ما وقع لصاحب الهداية، وقع لقاضيخان، فإنه قال في هلال رمضان وهلال الفطر: " وينبغي أن يشترط لفظ الشهادة، والدعوى على قياس قول الإمام ".

وفرَّع عليه المحقق الكمال بن الهمام ما فرعه عليه، وقد تقدّم ما في ذلك من أنه

<<  <   >  >>