للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد يتعرض البعض للقتل، أو القتال من أجل الحفاظ على باقي الأمة من ضياع أنفسها.

ويتضح لنا هذا الترتيب أيضًا من خلال موقف عَمَّار مع المشركين، وِإذْن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنطق بكلمة الكفر حفاظا على النفس (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) .

٣ - وقد يعترض بعضهم بأننا في تقديم النفس والعقل على الدين نؤول إلى القول بالتحسين والتقبيح العقليين.

وهذا مردود عليه: بأن مرادنا بالعقل هنا: القدرة على الفهم، تلك القدرة التي بها مناط التكليف.

فالأحكام العلمية والعملية متعلِّقة بهذا المفهوم، وهو القدرة على الفهم.

أما استعمال العقل في إنشاء الأحكام فهذا شيء آخر، ونحن لا نقصده بهذا الاعتبار، بل المقصود هو أن يدرك العقل الأحكام، بمعنى أن العقل الذي له التقبيح والتحسين إنما هو ذلك الذي

ينشئ الأحكام، والذي معنا هو إدراك الأحكام بواسطة العقل.

وقد يعمل العقل في طريق إنشاء الحكم، ولكن دوره هو دور الفهم، ولو كان هذا الفهم مركبًا (كطريق القياس) الذي يكون فيه العقل كاشفًا للحكم، وليس منشئًا له، لأن الذي ينشئ الحكم إنما هو اللَّه تعالى وحده، وهذا الإنشاء يظهر عن طريق كلامه سبحانه

وتعالى في القرآن، وعن طريق كلام نبيه في السنة، وعن طريق إجماع الأمة حول حكم

معين، وكذلك عن طريق إعمال العقل في استنباط حكم معين، وفي كل ذلك فالحكم:

" هو خطاب اللَّه تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع ".

فقالوا: " خطاب اللَّه تعالى " وحده، ولم يقولوا: "خطاب اللَّه ورسوله والأمة "؟

لأن الرسول والأمة غير منشئين، وإنما خطاب الله تعالى المدلول عليه ب: القرآن، والسنة، والإجماع، وبإعمال العقل (القياس) ،

وبالاستدلال (وهو باقى الأدلة المختلف فيها) ، وكل هذه كواشف عن الحكم، وليست منشئة له.

٤ - وقد يعترض بعضهم بأن تقديم النفس على الدين يَكِرُّ على حد الردة

بالبطلان، ويصبح لا معنى له.

فنقول: بأن هذا يتصور لو قصدنا بالدين في هذا الترتيب (الإسلام) ، أما إذا عرفنا أن المقصود بالدين هنا هو المعنى الأخص الذي قلنا -: لإدراكنا أن هذا الترتيب أدق من سابقه في هذا الاسم، فهو يفرق بين عدم الالتزام بأصل الإيمان وما هو معلوم

<<  <   >  >>