للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما كان يوصف إذا وصف في حياته بإغاثته الإحسان إليه، كما قال كعب بن سعد الغنوي في مرثية أخيه:

ليبككَ شيخٌ لم يجدْ من يعينُه ... وطاوِى الحشى نائِي المزارِ غريبُ

وكما قال أوس بن حجر يرثي فضالة بن كلدة الأسدي:

ليبككَ الشربُ والمدامةُ وال ... فتيانُ طُرّاً وطامعٌ طمعَاً

وذاتُ هدْم عارٍ نواشرُها ... تصمتُ بالماءِ تولباً جدعَا

والحيُّ إذ حاذرُوا الصباحَ وقدْ ... خافُوا مُغيراً وسائراً تلعَا

فيجب أن يتفقد مثل هذا من إصابة الغرض والانحراف عنه.

وإذ قد تبين بما قلنا آنفاً إنه لا فصل بين المدح والتأبين إلا في اللفظ دون المعنى، فإصابة المعنى به ومواجهة غرضه هو أن يجري الأمر فيه على سبيل المدح.

فمن المراثي التي تشتبه في المديح استيعاب الفضائل التي قدمنا ذكرها والإتيان عليها، مثل قول كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:

لعمري لئن كانت أصابتْ منيةٌ ... أخي والمنايا للرِّجال شعوبُ

لقد كانَ، أما حلمهُ فمروحٌ ... علينا، وأما جهلهُ فغريبُ

أخي ما أخِي، لا فاحشٌ عند بيتهِ ... ولا ورعٌ عند اللقاءِ هيوبُ

فقد أتى في هذه الأبيات بما وجب أن يأتي في المراثي، إذا أصيب بها المعنى، وجرت على الواجب، أما في البيت الأول فيذكر ما يدل على أن الشعر مرثية لهالك لا مديح لباق، وأما سائر الأبيات الأخر فتجمع الفضائل الأربع التي هي العقل والشجاعة والحلم والعفة، ثم افتن كعب في هذه المرثية في ذلك، وزاد في وصف بعض الفضائل ما لم يخرج به عن استيفائه، وهو قوله:

حليمٌ إذا ماسورةُ الجهلِ أطلقتْ ... حُبَى الشيبِ للنفسِ اللجوجِ غلوبُ

كعاليةِ الرمحِ الردينيِّ، لم يكنْ ... إذا ابتدَر الخيلَ الرجالُ يخيبُ

فإني لباكيهِ وإني لصادقٌ ... عليه، وبعض القائلينَ كذوبُ

ليبككَ شيخٌ لم يجدْ من يعينهُ ... وطاوِى الحشَا نائِي المزارِ غريب

جموعٌ خلالَ الخيرِ من كل جانبٍ ... إذا جاءَ جياءٌ بهنَّ ذهوبُ

<<  <   >  >>